بقلم – ابوبكر الصغير.
ما الشعب إلا جماعة تحيا على أرض واحدة ، تضم الأحياء والأموات والمواليد الجدد .
يبدو أن الناس يهربون من إمكانية التعريف. ولإرباك البعض مع الشعب ، أو مع البعض الآخر مع الطبقة الاجتماعية، أو حتى مع النضال ضد الدولة، ربما يتعين علينا، في غياب تعريف واضح ، أن ندرس ما يعلن و ما يتّجه اليه بما يصبح معه الجمهور شعبًا.
في انجاز علمي اكاديمي و مهم جدا ، و بعد جهد دؤوب امتد على عشرين سنة ونيف ، أنجزه أعضاء مخبر علم الوراثة والمناعة والأمراض البشرية بكلية العلوم بتونس تحت إشراف الدكتورة آمال بن عمار القعيّد، وهو أيضا باكورة ملخص وترجمة لنتائج أبحاث قيمة منشورة تباعا في كبرى المجلات العلمية العالمية. المرموقة.
صدر قبل سنوات عن دار “سيريس” للنشر كتاب باللغة الفرنسية يحمل عنوان : “التونسيون: من هم؟ ومن أين جاؤوا؟ حقائق من وحي علم الوراثة “.
كتاب قلم ، مهم جدا ، قد يعدّ افضل ما يقرا و يطلع عليه المرء في هذه العطلة الصيفية .
يستعرض المؤلف إضاءات جديدة حول موضوع “الاستيطان” القديم والحديث للبلاد التونسية حسب ما أثبته علم وراثة المجموعات الإنسانية .
استنتج اصحاب البحث انّ عصر التهجين كان بمثابة عملية التأسيس الاولى للهوية التونسية والشمال إفريقية بشكل عام ، وأن السلالة البربرية الأبوية الرئيسية في تونس غلبت مع سلالات أمومة أكثر تنوعا وأغلبية مكوناتها أوروبية : في المتوسط 72% من سلالات الأب من شمال إفريقيا ، بينما 45% من سلالات الأمهات أوروبية.
يعني ذلك أن أسلاف التونسيين من الذكور والإناث يأتون، إلى حد كبير، من أصول مختلفة.
في زيارتي الاخيرة ، لمنطقة دارفور بالسودان ، لمّا التقيت سلطان عموم قبائل دارفور ، فاجاني بالقول انّ اجداده تونسيون ، و انّ هذه المنطقة الثرية من بلاد السّودان بما تحويه من مناجم الذهب و ثروات حيوانية و خيرات طبيعية ، هي من اكتشاف رحالة تونسي اسمه محمد بن عمر التونسي أصيل جهة قفصة سار للمنطقة سنة 1803 ليستوطنها و يعمرها . .
هنالك قبائل سودانية لها أصول تونسية، وهي أساسا من عرش ” المثاليث ” .
في مناطق اخرى من العالم ، في مصر ، في تركيا ، في القرم حتى في بعض بلاد امريكا اللاّتينية هنالك قرى و احياء كاملة يستوطنها سكان من اصول تونسية ، بعضها يتّجه الى تسمية المنطقة او الحي باسم تونس .
انجزت بلادنا السنة الماضية عملية تعداد عام جديدة للسكان والسكنى و ذلك للعام الثالث عشر منذ اول تعداد حصل سنة 1921 ليليها أحد عشر تعدادا أنجز منها المعهد الوطني للإحصاء أربعة تعدادات عشرية خلال السنوات 1975 و1984 و1994 و2004، ثم تعداد آخر بعد الثورة 2014 .
كان عدد سكان تونس سنة 1921 : مليونان و 93 الف ليرتفع سنة الاستقلال 1956 : الى ثلاثة ملايين و 783 الف و سنة 2014 : الى عشرة ملايين و 82 الف .
دابت الدولة ان تقوم بمثل هذه عمليات الاحصاء كلّ عشر سنوات .
انّ ايّ تعداد يتّجه عادة الى رسم صورة تفصيلية لأوضاع السكان وظروف عيشهم و تستغل الحكومات المعطيات التي يوفرها لوضع المخططات والبرامج التنموية و لم لا القيام بالبحوث .
لكن يبقى اهم انجاز هو التعجيل ببلورة وتركيز مشروع المعرف الوحيد لكل مواطن ساكن البلاد التونسية الذي هو بمثابة قاعدة بيانات تهمّ كل مواطن تونسي منذ ولادته ويتضمّن جميع البيانات والمعطيات الخاصة و التي تكون مخزّنة في المركز الوطني للإعلامية و يشرف على استعماله مجلس مكون من كل الوزارات، بما فيها وزارات السيادة. و تنفيذ هذا المشروع رهين ارادة سياسية عليا و مدى رغبة الحكومة فيه .
فالمرء ينتمي إلى وطنه مثلما ينتمي إلى أمه.



