تونس 17°C

11 نوفمبر 2025

تونس 38°C

11 نوفمبر 2025

حديث الجمعة: رحلة إلى أعماق الروح.

بقلم محمد بن حمودة

أيها القلب التائه بين زحام الأيام، ألم تسأل نفسك يومًا: من أنت؟ ومن أين جئت؟ وإلى أين تمضي؟
هذا السؤال الذي يحاصر عقولنا هو ليس عبثًا، بل هو دعوةٌ إلهية للتأمل في سرِّ الوجود، وفي حكمة الله التي خطّت مسارات حياتنا.
في زحام الحياة اليومية، يبرز يوم الجمعة كنافذة روحية مشرقة، يتوقف فيها الزمن لينفتح أفقٌ جديد أمام النفس البشرية. إنه ليس مجرد يوم عبادة، بل هو محطة للتأمل في مسيرة الإنسان بين البداية والنهاية، بين الأمل والاختبار، وبين العبودية والخلاص.
الجمعة… يوم للحياة
في كل جمعة، يُفتح بابٌ في السماء، تُمدّ جسورٌ بين الأرض والملأ الأعلى، وكأن الكون بأسره يتوقف ليتنفس ذكر الله
الجمعة دعوة خفية لتجديد العهد مع الذات ومع الله، يوم يتجلى فيه البعد الروحي للإنسان، حيث تُرفع فيه القلوب بالدعاء، وتسجد الأرواح في لحظة صافية من الانقطاع عن ضجيج العالم. قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ”، لتؤكد الآية أن الجمعة ليست فقط لحظة عبادة، بل زمنٌ للاعتزال المؤقت لكل مشاغل الدنيا.
الجمعة ليست ساعةً تُقضى بين الجدران، بل هي موعدٌ مع الله، مع ذاتك، مع حقيقتك.
هي اليوم الذي تخبر فيه همومك أن الله أكبر، وأن الكون بأسره في قبضته.
يتساءل المرء دائمًا عن سبب وجوده، وعن جدوى الآلام التي تعترض طريقه وهو لا يعيي ان الحياة ليست سوى مزيج من الفرح والألم، ومن الابتلاء والنعم.
النفس تسأل والعقل يجيب
أيها الإنسان، إن في أعماقك صرخةً تبحث عن إجابة: لماذا وُجدت؟ ولماذا أُبتليت؟ ولماذا أحببت ثم فُجعت؟
ألم يقل مولانا جلال الدين الرومي: “لولا الألم، لما كانت الرحلة، ولولا الجرح، لما تسلل النور إلى دواخلنا؟”و قال ايظا: “الجروح هي الأماكن التي يدخل منها النور.” فالابتلاءات ليست عبثية، بل هي أبواب تفتح أمام الإنسان ليعاين أبعادًا جديدة من القوة والصبر.
فلا تحزن على ألمك، فإنه الدليل أنك حي. ولا تنظر إلى جراحك، فإنها أبوابٌ فتحت لتُدخل النور إلى قلبك .
ألم يقل سبحانه وتعالى: “وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ”؟
لكن المشكلة ليست في قربه، بل في بعدنا
الاقتراب من الله ليس مقصورًا على السجود وحسب، بل هو رحلة دائمة تبدأ من فهم النفس.
هذا القرب الإلهي لا يحتاج إلى مسافات تُقطع، بل يتطلب قلوبًا مفتوحة تدرك أن الله حاضرٌ في كل لحظة.
من كلمات إخوان الصفا: “إن النفس إذا طهرت من كدر الطبيعة، واتصلت بالجواهر النقية، أدركت سعادة لا نهاية لها.” هذا الاقتباس يشير إلى أن صفاء النفس هو الطريق إلى الحقيقة، وأن الطهارة الروحية هي وسيلة للسمو فوق تحديات الحياة.
أما ابن رشد، فيقول: “الحكمة هي صاحبة الشريعة، والأخت الرضيعة.” وهو تذكير بضرورة الموازنة بين الإيمان والعقل، بين العبادة والتأمل، وبين العمل واليقين.
الجمعة، بما تحمله من طقوس، ليست فقط واجبًا دينيًا، بل هي أيضًا فرصة لتصحيح المسار، لملء النفس بالطاقة الروحية، ولتأكيد أن رحلة الإنسان في هذا العالم ليست عبثًا.
في الختام، لا بد من إدراك أن كل لحظة في الحياة هي فرصة للتقرب من الله، وأن الإنسان يمضي في طريقه إلى لقاء خالقه. قال الله تعالى: “فاستَبِقوا الخيرات إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.” وما أعظمها من حقيقة تفتح آفاق الأمل والسلام في قلوبنا.
جمعتكم مباركة، وكل لحظاتكم عامرة بالإيمان والسلام.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية