تونس 17°C

11 نوفمبر 2025

تونس 38°C

11 نوفمبر 2025

شراكة نووية سعودية-أميركية: تحوّل استراتيجي يُعيد رسم ملامح الطاقة والأمن العالمي.

عواصم – عرب 21 :
لطالما كانت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية حجر الأساس في معادلة الأمن والاستقرار الاقتصادي إقليمياً وعالمياً، نظراً لما تتمتع به الدولتان من ثقل سياسي واقتصادي، وموقع محوري ضمن مجموعة العشرين (G20).
ومن رحم هذا التحالف التاريخي، تنبثق مبادرات نوعية تعيد تشكيل المشهد الاستراتيجي، أبرزها التعاون النووي المدني الذي يشق طريقه نحو التنفيذ.
في ظل المتغيرات الدولية وتزايد الحاجة إلى مصادر طاقة آمنة ونظيفة، برز الاتفاق النووي، رغم كونه غير موقع وغير مصدّق رسمياً، كوثيقة سياسية قوية حظيت بدعم مجلس الأمن الدولي عبر القرار 2231.
وقد وصفه قادة دوليون بأنه إنجاز تاريخي، نظراً لما يتضمنه من مساعٍ لتطويق واحدة من أطول أزمات الانتشار النووي في الشرق الأوسط، وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني.
تأتي هذه التطورات في سياق التزام دولي أوسع بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تُعد حجر الزاوية في الجهود العالمية لمنع انتقال تكنولوجيا التسلح النووي، وتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة، والمضي نحو عالم خالٍ من الأسلحة النووية.
منذ عام 2009، أعلنت المملكة عزمها الدخول في مضمار الطاقة النووية، وخطت خطوات عملية منذ ذلك الحين.
وفي سبتمبر 2023، أعلن وزير الطاقة السعودي خطط المملكة لبناء محطة نووية، بالتوازي مع التخلي عن بروتوكول الكميات الصغيرة والتحول إلى اتفاقية ضمانات شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يعزز الشفافية ويكرّس التزام المملكة بالاستخدام السلمي للطاقة النووية.
وفي مؤشر لعمق التنسيق الثنائي، أعلن وزير الطاقة الأميركي كريس رايت مؤخراً عن توقيع اتفاق مبدئي مع المملكة لتوسيع أطر التعاون في مجالات الطاقة والتعدين والتقنية النووية المدنية. وأكد أن هذا التعاون سيشهد دفعة قوية خلال العام الحالي، مع اقتراب الإعلان عن اتفاقيات جديدة تمهد لبناء صناعة نووية تجارية في المملكة.
الولايات المتحدة، التي ترى في هذه الشراكة فرصة لإنعاش قطاعها النووي، تتطلع إلى شراكة استراتيجية تُسهم في تسريع النمو الاقتصادي للبلدين، وتخدم في ذات الوقت أهداف التنمية العالمية.

التحول البيئي: طاقة نظيفة من أجل مستقبل مستدام .
في عالم يواجه تحديات بيئية متفاقمة، يأتي التوجه السعودي نحو الطاقة النووية المدنية كجزء من استراتيجية شاملة للانتقال إلى مزيج طاقي نظيف.
فالمملكة، وهي أحد أبرز منتجي النفط عالمياً، تدرك أهمية التوازن بين الاستفادة من ثرواتها الهيدروكربونية وتقليل الانبعاثات الكربونية. ومن خلال هذه الشراكة النووية، تسهم الرياض في خفض البصمة البيئية إقليمياً، وتقدم نموذجاً لاقتصادات النفط الطامحة إلى التحول الأخضر دون المساس بنموها الاقتصادي.
لا شك أن التعاون النووي بين السعودية والولايات المتحدة يشكل جسراً استراتيجياً متعدد الأبعاد : فهو مشروع للطاقة، ورسالة أمن، وخطوة نحو بيئة أكثر استدامة.
إنها شراكة تصنع الفارق، وتؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية تتجاوز البراغماتية، نحو رؤية متكاملة لعالم أكثر أمناً وتوازنا .

الرهان الجيوسياسي: توازن القوى في الشرق الأوسط .
التعاون النووي بين الرياض وواشنطن لا يُقرأ فقط في بعده الاقتصادي أو التقني، بل يشكل ورقة جيوسياسية بالغة الأهمية في منطقة تعج بالتحولات.
فبينما تسعى قوى إقليمية إلى توسيع نفوذها عبر برامج نووية غير شفافة، تُرسّخ المملكة حضورها كفاعل مسؤول ملتزم بالشرعية الدولية.
هذه الشراكة تعزز موقع الرياض كلاعب إقليمي قادر على موازنة النفوذ الإيراني، وتدعم توجهها نحو بناء منظومة أمنية مستقرة في الخليج والشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية