تونس 16°C

11 نوفمبر 2025

تونس 38°C

11 نوفمبر 2025

رحيل فاضل الجزيري… حين يترجل فارس المسرح التونسي.

تونس – عرب 21 : بقلم أ. حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .

استفاقت الساحة الثقافية التونسية صباح الاثنين، 11 أوت 2025، على خبر حزين هزّ كلّ وجدانها : انه رحيل الفنان والمخرج الكبير فاضل الجزيري، ذلك الفنان الذي أمضى أكثر من نصف قرن في إشعال قناديل الإبداع على خشبات المسرح، وفي فضاءات الموسيقى والسينما، ناسجا هوية فنية تونسية متفردة، تتأرجح بين الجذور العميقة للتراث وأفق الحداثة الرحب، وتحتفي في آن واحد بالمحلي والعالمي.
وُلد فاضل الجزيري عام 1948 في قلب المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، وسط أسرة متواضعة امتهنت صناعة الشاشية.
لكن من بين أزقة الحرفيين تلك، انطلقت أحلامه نحو فضاءات أرحب، ليجد في سنوات دراسته بلندن نافذة على التجارب المسرحية العالمية.
عاد بعدها محمّلا برؤية ثائرة لإعادة صياغة المشهد الثقافي تحديدا المسرحي التونسي.
في عام 1972، شارك مع مجموعة من المبدعين في تأسيس ” مسرح الجنوب ” بمدينة قفصة، لتشتعل أولى شرارات الثورة المسرحية.
بعد أربع سنوات فقط، جاء تأسيس ” المسرح الجديد ” ، الذي قلب الموازين في تونس والعالم العربي، متجاوزا القوالب الكوميدية المألوفة نحو نصوص وأشكال مسرحية حداثية اكثر ابداعا ، تنبض برسائل إنسانية واجتماعية وسياسية، كما في أعماله الخالدة : العرس، غسالة النوادر وعرب.
في تسعينيات القرن الماضي، أبدع فاضل الجزيري في صياغة عروض ضخمة جمعت بين المسرح والموسيقى الشعبية والروح الصوفية، فكانت ” النوبة ” احتفاء بالمزود ورموزه، و ” الحضرة ” تكريما للذاكرة الروحية للتونسيين. تلتها أعمال تركت بصمة في وجدان الجمهور، مثل نجوم، زغندة وعزوز، بني بني و العزّازة.
لم يتوقف عطاء الجزيري عند المسرح، بل حمله شغفه بالسينما إلى إخراج أفلام ذات بصمة خاصة، منها ثلاثون (2008)، كسوف (2016) وعن الحرب (2019)، فضلا عن مشاركاته كممثل في أفلام تونسية و عالمية.
في 2022، أطلق مشروع ” مركز الفنون بجربة “! بتمويل ذاتي بلغ نحو 30 مليون دينار، في محاولة طموحة لنقل الفعل الثقافي إلى مختلف جهات البلاد.
لكن هذه المبادرة تحولت لاحقا إلى معركة قضائية وإعلامية أرهقته في أيامه الأخيرة، حتى وهو على فراش المرض.
حصل فاضل الجزيري عام 2006 على وسام الاستحقاق الثقافي من رتبة قائد ، تكريما لمسيرة جعلت منه مدرسة في التجديد الفني، و صائغا لرؤية ثقافية متجذّرة في التراث، متطلعة في آن إلى آفاق الحداثة.
وبعد أربعة أشهر من الصراع مع المرض في المستشفى العسكري بتونس، أسدل الستار على حياة كانت مسرحا للإبداع والمقاومة الفنية.
برحيله، لا تفقد تونس فنانا مبدعا فحسب، بل تخسر روحا جعلت من الفن مرآة صادقة لحكاية وطن، وصوتا يلتقي فيه نبض الشارع مع نور الركح.
رحم الله فاضل الجزيري ، سيظل اسمه محفورا في ذاكرة التونسيين والعرب، أيقونة حوّلت الإبداع إلى فعل حرية، والهوية إلى عرض حيّ لا ينتهي.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية