بقلم – ابوبكر الصغير.
انّ الذين يغادروننا يتركون بصمات لا تُمحى، ليس على الأرض فقط، بل في أرواحنا.
لم يعد الموت ذلك الطارئ البعيد، ولا ذاك الطارق المتأني الذي نهيّئ له الوقت ونفرغ له الأحزان.
صار الموت اليوم جارا دائما، يُطلّ من نوافذ الصباح، ويُخيّم على أخبار المساء. لا يمرّ يوم إلا ونُفجع بفقد صديق، أو رفيق، أو من كنا نحبه ونظنّه معنا أطول.
كأن الحياة استعجلت الخسارات، وكأنّ الموت اختار أن ينتقي الأجمل بيننا… أولئك الذين يعطون بلا ضجيج، الذين يتركون أثرا حين يمرّون ، ولا يأخذون من الحياة إلا ما يجعلها أبهى.
كيف نواصل العيش وسط هذا السيل من الرحيل؟ كيف نرتّب مواعيد الغد، وهناك من لا يصل إلى الغد؟.
من قال إننا نملك الوقت؟ من أقنعنا أننا نؤجل الكلام الطيّب إلى مناسبة لاحقة؟
ها هو الموت يعلّمنا ، بقسوته ، أن لا نؤجل شيئا… لا الاعتذار، ولا الحب، ولا الوداع.
ربما حان الوقت، لا لأن نستسلم، بل لأن نتصالح… مع فكرة النهاية.
اكتبوا وصاياكم، لا خوفا من الموت، بل احتراما للحياة…
اكتبوها وأنتم بكامل وعيكم ونبلكم، لا لتذكّركم بنهايتكم، بل لتقولوا لأنفسكم ولمن تحبون ما لم يعد الوقت يضمن لكم قوله غدا.
اكتبوا ما يليق بكم، وما يليق بمن تحبون .
قولوا إنكم سامحتم، واغفروا لأنفسكم زلّات الأمس.
اشكروا من كانوا سندا، واعتذروا ممن قصّرتم في حقهم دون قصد.
اتركوا وراءكم كلمات تليق بكم ، لا ليرثيكم بها الناس، بل ليستندوا إليها حين يتعبون من الحياة، ويبحثون عن أثركم.
اكتبوا ما تشاؤون، لكن لا تصمتوا.
فالموت لم يعد ينتظر أن نجهز له الكلمات…
إنه يأخذنا ونحن نركض، نؤجل، نخطط ، ننسى أننا مجرد زائرين.
ما عساني أقول؟
عدت أفتّش بين دفاتري القديمة عن ما يشبه ” خطاب وداع ” ، وأنا الذي بالكاد تعلمت قول ” إلى اللقاء ” .
لكن في زمن الرحيل السريع، لا بد من أن نكون أكثر صدقا،
أن نقول للذين نحبهم كم نحبهم،
أن نترك أثرا ناعما، كلمة، سطرا، ذكرى لا تموت.
فاكتبوا وصاياكم… لا تنتظروا الغد.
قولوا كل ما يجب أن يقال،
قبل أن يُقال عنكم: ” كانوا هنا، ثم رحلوا… ” .
😢



