تونس 16°C

11 نوفمبر 2025

تونس 38°C

11 نوفمبر 2025

الولايات المتحدة والعنف السياسي :حين يصبح الاعتياد أخطر من الانفجار !.


بقلم : ا – حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .

لم يعد الخطر الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة اليوم مشاهد العنف الفردي في حد ذاتها ، بل في تحولها التدريجي إلى جزء عادي مألوف من الحياة العامة.
إنّ التطبيع مع مظاهر و أشكال العنف السياسي، والاعتياد على حضوره في المشهد الأميركي، يهدد بتقويض الثقة بالدولة و بالمجتمع أكثر مما تفعله أي عملية اغتيال أو مجزرة .
اغتيال المؤثر المحافظ تشارلي كيرك على يد ” ذئب منفرد ” غير منتم لأي تنظيم ، شكّل محطة مفصلية مهمة ، كشفت هشاشة التوازن الأميركي .
بدل معالجة جذور الأزمة، اختارت إدارة ترامب تحويل الجريمة إلى سلاح سياسي، موجهة تهديدات لمؤسسات تُصنّف على أنها يسارية، في محاولة لربط الجريمة بخصومها، رغم غياب الأدلة.
انَ العنف الأميركي ليس وليد اللحظة . فمن المظاهرات اليومية التي تنظمها جماعات متطرفة – من ” الـpreppers ” المستعدين لكوارث نهاية العالم ، إلى القوميين البيض والمنظمات المعادية للسامية ، إلى ” الذئاب المنفردة ” التي تتحرك في عزلة ، يظل المشهد متنوعا ومتقاطعا .
صحيح أن الميليشيات اليمينية تبدو الأكثر حضورا ، لكن الخطر الأكبر يكمن في الأفراد الذين يعيشون على هامش المجتمع ، يعانون من اضطرابات اجتماعية ونفسية ، ويحصلون بسهولة على السلاح .
قائمة الأسماء تطول : من تايلر روبنسون المتهم باغتيال كيرك، إلى فانس بولتر المشتبه في سلسلة جرائم بولاية مينيسوتا، مرورا بعشرات منفذي المجازر في المدارس الأميركية .
هؤلاء لا ينتمون لحزب، ولا يشاركون في الحياة العامة، وغالبا ما يتبنون خطاب رفض الدولة والسعي لتحقيق ” عدالة شخصية ” بالسلاح.
فالمعضلة ليست في حجم العنف فقط ، بل في تحول الأميركيين إلى متفرجين على تكراره ، كأنه مشهد طبيعي .
هنا يكمن الخطر الحقيقي : أن تصبح الاغتيالات والمجازر الفردية مجرد ” روتين سياسي ” ، بدلا من ناقوس خطر.
الأكثر إثارة للقلق هو مسار مؤسسات الدولة نفسها .
فبعد أن نجح مكتب التحقيقات الفيدرالي في احتواء الميليشيات عقب أحداث الكابيتول عام 2021، لم يعد في 2025 يبدو محايدا سياسيا ، ما يفتح الباب أمام تحويل أجهزة الأمن إلى أدوات في يد طرف سياسي .
ً عندها تتراجع الثقة بالشرطة والجيش، وتتسع مساحة الميليشيات الخاصة، لينزاح الخط الفاصل بين الدولة والفوضى .
رغم الاستقطاب الحاد، فإن الأميركيين يلتقون حول مطلبين أساسيين هما : وضع حدود لتجاوزات الحكومة ، وتشديد قوانين السلاح.
تشير بيانات Pew Research Center إلى أن 58% من الأميركيين يدعمون تشديد التشريعات الخاصة بحيازة الأسلحة. هذه النسبة تمثل إنذارا وفرصة في آن واحد : تجاهلها يفتح الباب لانفجار سياسي، بينما الاستجابة لها قد تمثل خطوة نحو التهدئة.
العنف الفردي سيستمر، لكن الأخطر هو أن يتحول إلى ” خلفية عادية ” للمشهد الأميركي .
فحين يصبح الاعتياد بديلا عن الصدمة ، وحين تتبنى القيادات خطابا متطرفا يفتح الباب أمام السلاح بلا قيود ، فإن أميركا لا تواجه مجرد تصاعد للعنف ، بل انهيارا تدريجيا لأسس التعايش السياسي .
هنا تكمن المفارقة : الخطر ليس في الانفجار، بل في القبول به كواقع لا مفر منه !!.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية