عواصم – عرب 21 : أ . حذامي محجوب .
مشاعل الشميمري، المهندسة السعودية التي أصبحت رمزًا للطموح والإبداع، تمثل نموذجًا للمرأة التي كسرت القيود وتجاوزت التحديات في مجالات تُعد من الأكثر تعقيدًا في العالم. وُلدت مشاعل عام 1984 في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن جذورها وذكريات طفولتها في صحراء عنيزة كانت نقطة انطلاق شغفها بالفضاء. هناك، بينما كانت تتأمل النجوم، بدأ حلمها بتصميم المركبات الفضائية واستكشاف أسرار الكون.
حصلت مشاعل على بكالوريوس في هندسة الطيران وبكالوريوس في الرياضيات التطبيقية من معهد فلوريدا للتكنولوجيا، ثم قدمت لها وكالة ناسا منحة لدراسة الماجستير في هندسة الطيران.
ركزت أبحاثها على تصميم صواريخ سلمية لإرسال الإنسان إلى المريخ، وهو ما يُعد إنجازًا علميًا استثنائيًا يعكس رؤيتها البعيدة.
في الثانية والعشرين من عمرها، أصبحت أول سعودية تلتحق بوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، حيث عملت مساعدة بحثية في مشروع الدفع الحراري النووي.
وخلال هذه الفترة، صممت محركًا صاروخيًا نوويًا لبعثة إلى المريخ، وشاركت في صناعة 22 صاروخًا غير نووي في عام 2006.
لم يقتصر إبداع مشاعل الشميمري على التصميم الهندسي، بل شمل تطوير برمجيات لتحليل بيانات اختبار الرياح وصناعة نماذج متقدمة للملاحة الجوية.
بعد حصولها على الماجستير، عملت مهندسة أنظمة في شركة الدفاع “Raytheon Missile Systems”، حيث أبدعت في مجالات ميكانيكا الهواء، واختبار نفق الرياح، وتصميم المركبات، والتحليل التنبؤي لمرحلة انفصال الصواريخ.
في عام 2010، أسست مشاعل شركتها الخاصة لتصميم وصناعة الصواريخ وتطوير أبحاث جديدة في هذا المجال، لكنها واجهت تحديات تمويلية معقدة أدت إلى توقف المشروع في عام 2015.
ومع ذلك، لم تُثنها هذه العقبات عن مواصلة مسيرتها، بل حصلت في العام نفسه على جائزة المرأة الملهمة من مؤسسة جائزة المرأة العربية، تأكيدًا لتميزها وتفردها.
في عام 2022، حققت إنجازًا تاريخيًا عندما انتُخبت لمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية، لتصبح أول سعودية وعربية تشغل هذا المنصب القيادي في أكبر منظمة فضائية عالمية.
واستمر تألقها في عام 2023، حيث عُيّنت مستشارة للرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء السعودية وأسهمت في صياغة الاستراتيجية الوطنية للفضاء.
كما قادت مشروعات طموحة، أبرزها برنامج الرحلات الفضائية المأهولة، الذي يُعد جزءًا من رؤية المملكة لتعزيز مكانتها في قطاع استكشاف الفضاء العالمي.
لا تقتصر مساهمات مشاعل على الإنجازات العلمية والمهنية، بل تمتد إلى دورها كقدوة ومصدر إلهام للأجيال القادمة.
من خلال منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تسعى لتشجيع الشباب، خاصة الفتيات، على متابعة أحلامهم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة.
تؤمن مشاعل بأن النجاح ليس مجرد حلم بل نتيجة للإصرار والعمل الجاد، وأن الفشل هو مجرد خطوة على طريق التميز.
اليوم، تقود مشاعل مركز “مستقبل الفضاء”، الذي تأسس بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي لتعزيز الابتكار في قطاع الفضاء.
يهدف المركز إلى دعم الاقتصاد الفضائي العالمي وتطوير السياسات التقنية وتعزيز الأبحاث المتعلقة بتكنولوجيات الفضاء.
من خلال هذا الدور، تُمكّن مشاعل الكفاءات الوطنية الشابة وتوفر لهم فرصًا تعليمية وتدريبية متقدمة، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية مع أبرز المؤسسات الفضائية العالمية.
مشاعل الشميمري ليست مجرد شخصية أكاديمية أو مهنية، بل هي شهادة على قدرة الإنسان على تحقيق المستحيل. برؤيتها الاستثنائية، انتقلت من صحراء عنيزة حيث بدأت أحلامها إلى مناصب القيادة العالمية في أكبر المؤسسات الفضائية.
إن رحلة مشاعل الملهمة، التي تجمع بين الشغف بالعلم والإصرار على التميز، تفتح آفاقًا واسعة لجيل جديد من الشباب الحالمين، وتجعل من سماء المملكة العربية السعودية بوابة لولوج عالم الفضاء و استكشاف اسراره .
