تونس 25°C

12 سبتمبر 2025

تونس 38°C

12 سبتمبر 2025

بين منطق الدولة ووهم التنظيم: أزمة العقل السياسي التونسي !.

بقلم – ابوبكر الصغير .

يستوقف المتأمل الامين في المشهد السياسي التونسي سؤال أساسي : كيف نفكر في أوضاعنا ومستقبلنا؟ .
بل كيف نحدد موقعنا إزاء قضايا محلية وإقليمية معقدة و نعيشها اليوم ؟.
إن المتابع لمسارات المواقف الشعبية والسياسية يلاحظ ارتباكا مفزعا عميقا في المرجعيات والخيارات، وكأن العقل السياسي التونسي يعيش حالة من التيه الدائم بين منطق الدولة ومنطق التنظيم.
اذتحوّل الاصطفاف عندنا إلى ممارسة متكرّرة : نقف تارة مع حزب الله وهو تنظيم مذهبي عابر للحدود ضد الدولة اللبنانية ذات السيادة والمؤسسات، ننزل مجموعات للاحتجاج أمام سفارتها لا أمام من يهدّد سيادتها. نتعاطف كذاك طورا مع الإخوان المسلمين في مصر، فننصّب أنفسنا أوصياء على الشأن المصري الداخلي ونتظاهر أمام سفارتها، دفاعا عن تنظيم أُثبت أنه ظلّ للنظام أكثر مما كان بديلاً عنه.
ثم لا نتردّد في الاصطفاف مع حركة حماس ضدّ الشرعية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الكيان الوحيد الذي حاز الاعتراف الدولي وحمل أمانة التاريخ الفلسطيني.
إن هذه المواقف تكشف عن أزمة عميقة في العقل السياسي التونسي : أزمة تتعلق بالتمييز بين ما هو دائم وما هو عابر، بين ما هو مشروع وطني جامع وما هو إطار أيديولوجي ضيق.
فالدولة، على الرغم من أزماتها ونقائصها، تظل الإطار الحاضن للشعوب، والكيان الذي يضمن الاستمرارية.
أما التنظيمات و مهما كانت ادوارها فهي بنايات هشّة، محكومة بالصراع الداخلي وبالتحولات الظرفية، سرعان ما يطالها الوهن أو التفكك.
إن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه علينا اليوم هو: هل يمكن أن نبني وعيا سياسيا رشيدا رس دون أن نرسخ فكرة مركزية الدولة بوصفها أساسي المشروعية والشرعية؟ فالتاريخ يثبت أن التنظيمات زائلة، وأنها مهما اكتسبت من وهج لحظة، فإنها لا تستطيع أن تحل محل الدولة أو أن تمنح الشعوب أفقاً دائما.
لقد آن الأوان لمراجعة أنماط التفكير السياسي لدينا، والخروج من أسر الشعارات والمزايدات الأيديولوجية الفارغة .
إن التضامن مع القضايا العادلة لا يعني الارتماء في أحضان التنظيمات حتى لو كانت تمتلك مشروعية المقاومة ، بل يقتضي الانحياز إلى الدول والمؤسسات باعتبارها الحاضنة الوحيدة القادرة على تحويل التضامن إلى مشروع استراتيجي مستدام.
إن إعادة بناء العقل السياسي التونسي و مراجعة انماط تفكيرنا تبدأ من الاعتراف بهذه الحقيقة البسيطة: الدول هي التي تبقى، أما التنظيمات فهي إلى زوال.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية