تونس 27°C

12 سبتمبر 2025

تونس 38°C

12 سبتمبر 2025

السويداء تختصر مأسـاة سوريا !.

بقلم – ابوبكر الصغير.

تعود محافظة السويداء لتتصدر مشهدًا سوريا يزداد قتامة، لا من بوابة الانفراج، بل عبر بوابة النار والانقسام. ما يجري في هذه البقعة الجبلية ذات الأغلبية الدرزية لا يمكن اختصاره في مناوشات مسلحة أو خلاف محلّي، بل هو عنوان لانهيار أكبر : انهيار المفهوم الوطني ذاته.
في الأيام الأخيرة، شهدت السويداء تصعيدا غير مسبوق بين بعض الفصائل المسلحة ذات التكوين المحلي، وقوى الأمن التابعة لحكومة دمشق، على خلفية مطالب قديمة-جديدة تتعلق بـ ” الإدارة الذاتية ” أو ” اللامركزية الموسعة ” ، وهي مطالب، مهما اختلفت التفسيرات حولها، تعكس شعورا عميقا بالإقصاء والتهميش والانفصال عن الدولة المركزية.
لكن بدلا من الاستماع لصوت الأزمة والتعامل معها سياسيا وعقلانيا، فضّلت السلطة الرد على طريقتها المعتادة : الحصار، القمع، ثم الرصاص.
بالتالي ، ما يحدث اليوم في السويداء هو نتيجة طبيعية لمسار طويل من الفشل. فشل في قراءة التحولات المجتمعية. فشل في إصغاء الدولة لحركاتها الداخلية. فشل أمني في استباق الأزمة. وفشل سياسي في التمييز بين التمرّد على الفوضى والمطالبة بالكرامة، وبين المشروع الانفصالي الفعلي.
لقد وقعت الحكومة، ومعها من يدير المشهد من خلف الكواليس، في خطأ استراتيجي فادح : تعاملت مع مطالب اجتماعية وسياسية مشروعة كأنها تمرّد عسكري، ومع مجتمع أهلي متماسك كأنه ” خطر داهم ” يستوجب الإقصاء. والنتيجة كانت كما نراها : قتلى، حالة من الذعر، تفكك داخلي، وصراع أصبح اليوم أكثر تعقيدا وأشدّ خطورة.
من يتعامل مع السويداء وكأنها ” استثناء طائفي ” أو ” ملف درزي خاص ” ، يُمعن في تجزئة الجرح السوري. فالمطالب التي طُرحت هناك لا تختلف جوهريا عن صرخات مدن سورية أخرى، رفضت القمع، وطالبت بالخدمات، وبالعدالة، وبالأمن الحقيقي، لا أمن الأجهزة.
وما حدث لم يكن قضاء وقدرا. فمجزرة السويداء، والانقسام الداخلي فيها، لم تكن نتيجة حتمية لصراع طائفي أو فوضى مسلحة، بل كانت ثمرة قرارات خاطئة، مرتجلة، بلا تقدير للعواقب، ومحصلة مسار تراكم فيه الإهمال، وتغوّل الأمن، وصُمّت فيه الآذان عن سماع صوت الشارع.
لن يكون من الصدق، أو من المسؤولية، تحميل طرف واحد كامل المسؤولية عمّا حدث.
الفصائل التي لجأت إلى السلاح أخطأت في بعض الحسابات، لكنّ الدولة التي دفعت الأمور إلى حافة الانفجار تتحمّل النصيب الأكبر من الذنب.
فما حدث هو ليس فقط إخفاق في إدارة الملف الأمني، بل فشل أخلاقي في قراءة اللحظة الوطنية.
إنها هزيمة كاملة ، هزيمة للدولة التي لم تفهم أن المجتمعات لا تُدار بالقوة فقط .
هزيمة للمعارضة التي غابت عن المشهد أو راهنت على الفوضى.
وهزيمة لكل من ظنّ أن هذا الوطن يمكن أن يستمر بلا عقل ولا محاسبة .
لهذا و غيره فالسويداء ليست قضية معزولة. إنها جرس إنذار وطني. إن لم تُراجع الدولة طريقة تعاملها مع أبناء المحافظات، وإن لم يتم الاعتراف بمشروعية المطالب السياسية والاقتصادية والمجتمعية، فإن الانهيار سيتنقل من محافظة إلى أخرى، وقد نجد أنفسنا أمام مشهد سوري أكثر تشظّيا، وأكثر قابليّة للانفجار.
إن الرد على الألم لا يكون بالرصاص. وإن إنقاذ سوريا، بكل تنوعها وعمقها، يبدأ أولا بالاعتراف بالفشل، ثم بإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، لا على أساس الغلبة، بل على أساس الشراكة والكرامة.
السويداء اليوم تنزف… لكنها أيضا تنطق باسم وطن بكامله.
فهل من يسمع؟.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية