-قرطاج – عرب 21 :
بألحان تنبع من الذاكرة الجماعية للتونسيين، افتُتحت الدورة التاسعة والخمسون من مهرجان قرطاج الدولي بعرض موسيقي بعنوان ” من قاع الخابية ” ، من إخراج وتوزيع المايسترو محمد القرفي، الذي قاد العمل برؤية فنية تحاكي الأصالة وتستحضر الزمن الذهبي للأغنية التونسية، مع التزام واضح بالمقاربة الأوركسترالية التقليدية، دون مغامرة تُذكر في الشكل أو المحتوى.
العرض الذي احتضنه المسرح الأثري بقرطاج مساء 19 يوليو، أعاد إحياء روائع فنية لكبار رموز الأغنية التونسية مثل الهادي الجويني، خميس ترنان وعلي الرياحي، بتوزيعات موسيقية جديدة حافظت على روح الألحان وخصوصية الكلمات، دون أن تخرج عن الإطار الكلاسيكي المألوف. أما الأداء الغنائي، فتناوب عليه كل من حمزة الفضلاوي، مهزية طويل وشكري عمر حسين، بمرافقة الفرقة الوطنية للفنون الشعبية.
تميز العرض بجودة تنظيمية وتقنية لافتة، تجلت في دقة ضبط الصوت والإضاءة وإدارة الفقرات، ما عكس احترافية عالية للفريق المشرف على العمل.
غير أن العرض لم يخلُ من ملاحظات، أهمها الغياب شبه التام للعنصر الشبابي سواء على مستوى الأصوات أو التوجه الفني، ما جعله يبدو أقرب إلى تحية نوستالجية لجمهور يعرف مسبقا الأسماء والأعمال المقدمة، دون محاولة لفتح نوافذ جديدة أو جذب أجيال مختلفة برؤى معاصرة.
من الناحية البصرية، لم يقدّم العرض جديدا يذكر، باستثناء لمسات خجولة من الرقص الشعبي، في وقت باتت فيه العروض الفنية في العالم تمزج بين الموسيقى وفنون السينوغرافيا والتكنولوجيا الرقمية، ما جعل الافتتاح يبدو متحفظا ومترددا في توظيف أدوات العصر.
ومع ذلك، يحسب لـ ” من قاع الخابية ” حفاظه على هوية الأغنية التونسية، وتقديمه في قالب أنيق ومنضبط، وإن ظلّ عرضه أقرب إلى احتفاء بالماضي منه إلى منصة لتجديد التعبير الفني أو استشراف المستقبل.
وبين النغمة الأولى لليلة الافتتاح ووعود بقية البرنامج، يبقى جمهور قرطاج في ترقّب : هل تشهد الليالي المقبلة تحوّلاً في المزاج الفني نحو التجديد والمغامرة؟ أم تواصل الدورة عزفها على الأوتار الكلاسيكية نفسها؟ .
