
القهوة عند العرب.
بقلم د. محمد الناصر بن عرب
سميت القهوة بهذا الاسم لأن لونها يشبه لون الخمر الداكن عند العرب الذي كان يسمى قهوة.
يقول ابن منظور في لسان العرب أنها سميت قهوة لأنها تقهي شاربها عن الطعام أي تذهب بشهوته وفي التذهيب أي تشبعه.
القهوة مشروب يعد من بذور البن المحمصة والمطحونة وتنمو شجرة البن خصوصا في المناطق الاستوائية في إفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية واليمن وجنوب شرق آسيا.
كانت أثيوبيا منذ عشرات القرون، موطن البن وهي مصدر ومنشأ البن العربي في اليمن.
في أثيوبيا، اكتشف خالدي راع الماعز التأثير المنشط له قطيع الماعز الذي يرعاه والذي يأكل حبات البن. فأخذ كرزات من شجرة البن إلى إحدى دور العبادة في القرية فألقى الراهب حبوب البن في النار لأنه اعتبرها من عمل الشيطان وحينها انطلقت رائحة زكية وعمت في أرجاء الغرفة فقرر استعادة بذور البن من النار وصب عليها الماء الساخن للحفاظ على الرائحة وعندما شرب هذا المزيج شعر بالنشاط والدفء وسرعان ما انتشر هذا المشروب. ومن أثيوبيا تم نقل شجرة البن إلى اليمن. فازدهرت حتى تجاوز إنتاجها من البن أثيوبيا. وانتشرت مشاتل البن خارج اليمن وأثيوبيا في إفريقيا الشرقية. في كينيا أولا ثم البرندي ومالوي وروندا وتانزانيا….، ثم انتقل زرعها إلى إفريقيا الغربية في ساحل العاج حتى تم نقلها إلى بلدان جنوب أمريكا في البرازيل وكلومبيا والفينيزولا وبيرو وكساريكا وسالفدور وغواتامالا والمكسيك… وبما أن شجرة البن انتقلت من اليمن إلى بعض البلدان الافريقية ثم إلى أمريكا اللاتينية استقر أن تسمى قهوة “أرابيكا” نعتا لأصولها العربية.
إن شهرة البن والقهوة كانت سببا للحصول على مشاتلها وانتاجها ولذلك علاوة على انتقالها من إفريقيا واليمن إلى أمريكا اللاتينية وإلى آسيا من طرف المستكشفين والرحالة ساهمت الدولة الفرنسية والهولندية في نقل زرعها في آسيا وأمريكا أيضا.
في بداية سنة 1009 هج ( 1600م.) تم اقتناء أول أكياس البن خلسة وتصديرها إلى البندقية رغم حراستها الشديدة في مكة. لكن الهولنديون تمكنوا من اختلاس بعض مشاتل البن من مدينة مخا باليمن وحافظوا عليها بالحديقة النباتية بأمستردام. وفي بداية القرن الثاني عشرهج ( السابع عشر ميلاديا) استقرت “شركة الهند” في جافا وشرعت في انتاجها لشجر البن وابتداء من سنة 1009 هج (1690م.) تم غرسها في مستعمرات سومطرة وتمير وبالي. وفي سنة 1118 هج (1706م.) شرع المزارعون الهولنديون تصدير أول انتاج البن إلى هولندا وتصدير شجرة البن إلى أمريكا. أما في سنة 1126 هج ( 1714م. )تم إهداء أول شجرة البن من طرف هولندا إلى الملك لويس الرابع عشر الفرنسي . ولما أنتجت ثمارها التي انتجت ثمارها تم زرع حباتها بمستعمرات فرنسا في أمريكا الوسطى واللاتينية. كما أن سلطان اليمن أهدى 60 شتلة من البن إلى فرنسا والتي تم زرعها في جزيرة الرايونيون. كما تم زرع شجرة البن كذلك في جزر الكارئيب وفي أمريكا الوسطى من طرف فرنسا وهولندا.
يمكن أن ينسب الفضل في جلب القهوة عبر العالم إلى اليمن حيث قام ثلاثة رجال بانتشارها هم: علي بن عمرالشاذلي ومحمد الذبحاني وأبو بكر العيدروس.
اتفق العديد من المؤرخين أن الفقيه الصوفي علي بن عمر الشاذلي هو المكتشف الأول لشراب القهوة وقد صح عنه أنه قام برحلة إلى الحبشة حيث عرف هناك البن.
وتروي قصص التاريخ والموروث الشعبي أن أول من أدخل القهوة إلى تونس كان سيدي أبو الحسن بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي الغربي الزاهد الصوفي. ولد سنة 592 هج/ 1196 م في قبيلة الاخماس الغمارية بالمغرب. تفقه وتصوف في تونس واعتكف للعبادة في جبل زغوان. وتوفي سنة 656 هج/ 1258م. وبما أنه هو من أسس الاحتساء الجماعي وتم تقليده من بعد ذلك للقهوة، ما زالت تسمى القهوة للا الشاذلية في تونس إكراما ونسبة لسيدي أبي الحسن الشاذلي.
انتشرت القهوة لأول مرة في مصر في مطلع القرن العاشر الهجري بعدما جلبها الطلاب اليمنيون إلى رواقهم في الجامع الأزهر. ومن مصر والحجاز انتقلت إلى القسطنطينية ثم إلى البندقية.
في البداية لقيت القهوة معارضة من طرف رجال الدين في اليمن ومصر ومكة لأنهم كانوا يعتبرون أن مجالسها تعتبر مدعاة للهو وضياع الوقت بدلا من الاستغفار والعبادة، حتى أن السلطان العثماني مراد الرابع (1032 هج/1623 م.) أصدر فرمانا ينص أن شرب القهوة جريمة يعاقب عليها القانون شديد العقاب وتم إغلاق المقاهي. وبعد سنوات سمح السلطان محمد الرابع (1051 هج/ 1642 م.) بإعادة افتتاح المقاهي وشرب القهوة.
وحسب رواية أكثر شهرة فإن والي اليمن أوزدمير باشا العثماني أحضر القهوة إلى العاصمة إسطنبول في عهد سليمان القانوني (926- 974 هج/ 1520-1566). لقد كان العثمانيون أول من واصل تحميص حبات البن بعد اليمن لإعداد القهوة وفتح المقاهي التي أصبحت شعبية. فكان يوجد في القرن السابع عشر بإسطنبول على الأقل 600 مقهى. وكان استهلاك القهوة يتجاوز 1000 طن من حبوب البن في السنة. فمن الطبيعي أن يتزود الجيش العثماني من القهوة أثناء حملاتهم العسكرية نظرا لتأثير النشاط على الجنود.
وفي أوروبا وقع إعداد القهوة في فيانا لأول مرة بعدما اضطر العثمانيون إلى وقف غزوهم لفينا سنة 1094 هج/ 1683 م.
وحسب الأسطورة تحررت فيانا من الغزو العثماني في المعركة التي شنتها القوات البولندية الألمانية النمساوية بقيادة ملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي ضد الجيش العثماني. فعثروا على 500 كيس تحتوي على حبوب غريبة تركها الجيش العثماني وظنوا أنها كانت علفا لإبلهم وأرادوا حرقها. فمنح الملك البولندي يان الثالث سوبياسكي الأكياس لأحد ضباطه فرانسيسزاك كلزكي (1094- 1105 هج/ 1640-1694 م ) لذلك. لكنه لم يحرق الأكياس متأكدا أنها تحتوي على بذور البن لتحضير القهوة نظرا لأنه كان مترجما للغة التركية لفائدة الشركة التجارية للشرق، وعلاقته بالعثمانيين أتاحت له معرفة تحضير القهوة، فقام بفتح أول مقهى بفيانا التي أصبحت فيما بعد عاصمة القهوة بأوروبا.
أما في فرنسا فقد أدخلت القهوة إلى باريس لأول مرة سنة 1669 م. (1080 هج) على يد سليمان آغا السفير العثماني لدى بلاط الملك لويس الرابع عشر بفارساي. أرسله السلطان محمد الرابع بأكياس من القهوة وصفها بأنها مشروب سحري عند خلطها بكمية قليلة من القرنفل وبذور الهيل والسكر كما أحضر معه الأدوات المستخدمة في تحضير مشروب القهوة على الطريقة التركية بما في ذلك أطباق صينية وقطع صغيرة من القماش الموسلين المطرز بالذهب والفضة والحرير تستخدم كمناديل. وأصبح آغا محبوبا في المجتمع الباريسي وبقي فترة طويلة لترسيخ هذه العادة التي أدخلها.
وسرعان ما تحولت القهوة العربية إلى مشروب عالمي فأصبحت قهوة تركية.