إتصل بنا

تونس 38°C

مارس 23, 2025

مارس 23, 2025

إتصل بنا

“رُقوج 2: الكنز” – قفزة نوعية في الدراما التونسية.
ثقافة وفنون

“رُقوج 2: الكنز” – قفزة نوعية في الدراما التونسية.

مارس 23, 2025

بقلم محمد بن حمودة .

“رُقوج 2: الكنز” ليس مجرد جزءٍ ثانٍ لمسلسل ناجح، بل هو قفزة نوعية في الدراما التونسية، تؤكد أن الصناعة التلفزيونية المحلية قادرة على إنتاج أعمال تضاهي الإنتاجات العالمية من حيث الجودة البصرية، السرد الدرامي، والإخراج المتقن. بفضل رؤية المخرج عبد الحميد بوشناق، الذي استطاع أن يمزج بين الحس السينمائي العميق والتناول التلفزيوني المشوّق، تحوّل العمل إلى تجربة بصرية آسرة تحمل في طياتها الكثير من الدلالات الفنية والرمزية. اختيار مواقع التصوير، الإضاءة المدروسة، حركة الكاميرا المتناغمة مع إيقاع المشاهد، كلها عوامل عززت من حضور الصورة وجعلتها جزءًا من الحكاية، لا مجرد وسيلة لنقل الأحداث. مدير التصوير شمس غرّاب لعب دورًا جوهريًا في تحقيق هذه الرؤية، مقدّمًا لوحة فنية تفيض بالحياة، تنقل المشاهد إلى أجواء المسلسل بكل تفاصيلها الدقيقة.

أما السيناريو، الذي صاغه كل من محمد صابر الوسلاتي، عزيز الجبالي، وليد عيادي وعبد الحميد بوشناق، فقد حمل بعدًا عميقًا تجاوز مجرد السرد التقليدي. الحوارات لم تكن مباشرة أو تقريرية، بل جاءت غنية بالمضامين والرموز، تحمل في طياتها دلالات نفسية واجتماعية وثقافية تعكس الصراعات الداخلية والخارجية للشخصيات. بنية الحبكة اعتمدت على تصعيد مدروس للتوتر الدرامي، حيث تداخلت الأحداث بشكل متقن، مما جعل المسلسل يحافظ على إيقاعه المشوّق دون الوقوع في الرتابة.

الأداء التمثيلي كان من أبرز نقاط القوة في “رُقوج 2: الكنز”.

تألقت كوكبة من الممثلين، على رأسهم عزيز الجبالي، بحري رحالي، وليد عيادي، محمد صابر الوسلاتي، ياسمين ديماسي، فاطمة صفر، هالة عياد، أميرة شبلي، فاطمة بن سعيدان، محمد شوقي خوجة، عاصم بالتوهامي، منصف العجنقي، زياد عيادي، محمود السعيدي، ريم عياد، جهاد الشارني، ربيع إبراهيم، عصام عبسي، محمد سويسي، KAFON، رمزي سليم، إبراهيم حسني، حسام غريبي، مهدي مزاح، عصام العياري، جميلة الجامي، إلياس الرياحي، حكيم مرابط، وأمين حمزاوي. كل ممثل استطاع أن يمنح شخصيته عمقًا نفسيًا يخرجها من القالب النمطي، في حين شكل حضور دليلة مفتاحي ومهذب رميلي إضافة فنية ذات ثقل درامي واضح، أضفت على العمل بُعدًا إنسانيًا قويًا.

الموسيقى التصويرية، التي أبدع فيها حمزة بوشناق، لم تكن مجرد خلفية موسيقية، بل كانت عنصرًا درامياً بحد ذاتها، ترفع التوتر حينًا، وتهدّئ الإيقاع حينًا آخر، مما عزز من الأثر العاطفي للمشاهد. أما مرحلة ما بعد الإنتاج، فقد لعب فيها كل من المونتير هاشم صوالح وخبير المؤثرات البصرية زبير الجلاصي دورًا جوهريًا في صقل المشاهد وإضفاء لمسات فنية عززت من جودة العمل، من خلال مونتاج متقن ومؤثرات بصرية محسوبة بدقة.

بين الواقعية والخيال: عالم “رُقوج” المتفرّد
ما يميّز “رُقوج 2: الكنز” هو قدرته على المزاوجة بين الواقعية والخيال دون أن يفقد مصداقيته الدرامية. المشاهد المتأصلة في الواقع التونسي، سواء من حيث اللهجة، التفاصيل اليومية، أو البيئة التي تدور فيها الأحداث، جعلت العمل قريبًا من الجمهور. في المقابل، حمل المسلسل بعدًا خياليًا متقن الصياغة، حيث استلهم من الفلكلور والأساطير المحلية، مضيفًا لمسة غموض وتشويق جعلت المشاهد في حالة ترقب دائم.

كما أن طريقة تناول المسلسل لموضوع الكنز لم تكن سطحية أو مجرد مطاردة مادية، بل حملت أبعادًا رمزية تتعلق بالبحث عن الهوية، صراع القيم، والتاريخ غير المكتوب. هذا العمق في الطرح جعل “رُقوج 2” ليس مجرد مسلسل مغامرات، بل دراما تعكس قضايا إنسانية جوهرية تتجاوز الزمن والمكان.

نجاح يعكس نضج الدراما التونسية
“رُقوج 2: الكنز” ليس فقط استكمالًا لمسيرة نجاح جزئه الأول، بل هو خطوة جديدة تثبت أن الدراما التونسية قادرة على أن تكون منافسًا قويًا في المشهد العربي. نجاح العمل لا يُحسب فقط للطاقم الفني والتقني، بل أيضًا لأهالي منطقة جوڨار الذين احتضنوا التصوير وساهموا في إنجاحه، ما منح المسلسل طابعًا أصيلًا لم يكن بالإمكان تحقيقه في فضاء مصطنع.

إنجاز بهذا الحجم يثبت أن الدراما التونسية تمتلك كل المقومات التي تخوّلها للصعود إلى مصاف الإنتاجات الكبرى، ويؤكد أن الطموح والرؤية الإبداعية هما مفتاح الارتقاء بالعمل التلفزيوني من مجرد ترفيه إلى تجربة فنية مؤثرة، تترك بصمتها في ذاكرة المشاهدين.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *