
إيران و إجهاض التفاوض : حسم المرشد و هيمنة الدولة العميقة.
قلم – أ . حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .
تمر إيران بمرحلة سياسية دقيقة تتداخل فيها الحسابات الداخلية مع الرهانات الخارجية ، حيث يتضح أن القرار الحاسم لا يزال بيد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي حسم موقفه بإغلاق باب التفاوض مع الولايات المتحدة، ليس فقط كخيار استراتيجي، بل كجزء من عملية إعادة هيكلة داخلية تُعيد ترتيب مراكز القوى في النظام.
قرار خامنئي لم يكن مجرد توجيه سياسي، بل كان خطوة مدروسة لسحب ملف التفاوض من أيدي الأطراف التي لطالما لعبت دور الوسيط في العلاقات مع الغرب، وعلى رأسها جواد ظريف، الذي دفع ثمن هذا التغيير عبر استقالته من منصبه كمساعد للرئيس للشؤون الاستراتيجية.
لم تكن استقالة ظريف تعبيرًا عن خلاف إداري أو استبعادًا عرضيًا، بل جاءت نتيجة مباشرة لتوجه أوسع يهدف إلى حصر أي قرار تفاوضي ضمن دائرة مغلقة تخضع بالكامل لسلطة المرشد.
في ظل هذه الديناميكية الجديدة، وجد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان نفسه مضطرًا لإعادة تموضعه السياسي.
فبعدما أبدى انفتاحًا أوليًا على فكرة التفاوض مع واشنطن، عاد ليعلن التزامه الصارم برؤية المرشد، مؤكدًا أن لا حوار مع الولايات المتحدة طالما أن القيادة العليا لا تراه خيارًا. غير أن هذا التراجع لم يُنقذ فريقه، إذ سرعان ما دفع وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي ثمن التوجه السابق، حيث أُقيل من منصبه في خطوة تعكس تصفية داخلية لمن اعتُبروا أقل التزامًا بالخط المتشدد.
لكن المسألة تتجاوز مجرد تغييرات في المناصب. فإقالة همتي واستقالة ظريف تعكسان توجهًا أوسع نحو إعادة ضبط المشهد السياسي الداخلي، حيث تعمل المؤسسة الحاكمة على تقليص أي هوامش للمناورة السياسية، سواء داخل الحكومة أو ضمن الدوائر الدبلوماسية التي اعتادت أن تلعب أدوار مزدوجة بين الداخل والخارج.
الرسالة التي تبعث بها هذه الإجراءات واضحة : لا مكان لأي محاولة لإعادة إنتاج سيناريوهات التفاوض السابقة، وأي رهان على تغيير سياسي داخلي سيكون مصيره الفشل.
خارجيًا، يبدو أن القرار الإيراني بإغلاق باب التفاوض مع واشنطن يتجاوز مجرد رفض لحوار تكتيكي، بل يعكس توجهًا نحو مرحلة جديدة من المواجهة الإقليمية والدولية.
فقد جاء تصريح وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو، الذي أكد أن طهران لم تُجرِ أي اتصال بواشنطن ولم تُبدِ أي اهتمام بإحياء المفاوضات، ليعزز هذه القناعة.
وفي ظل تصاعد التوتر، قد يكون لهذا التوجه تداعيات مباشرة على المشهد الإقليمي، إذ من المحتمل أن يؤدي إلى تصعيد أكبر في العلاقة بين طهران وخصومها في المنطقة.
وسط هذا المشهد، برزت موسكو كلاعب جديد في معادلة التفاوض، حيث أعلن الكرملين استعداده للوساطة بين طهران وواشنطن بشأن الملف النووي.
وبينما لم يتضح بعد ما إذا كان هذا العرض قد طُرح رسميًا بطلب من أحد الطرفين، إلا أن مجرد طرحه يعكس إدراكًا روسيًا لأهمية السيطرة على مسار أي حوار مستقبلي بين إيران وأميركا.
بالنسبة لطهران، قد تبدو هذه الوساطة خيارًا مثالياً، فهي تتيح لها إعادة التفاوض وفق شروط جديدة، ولكن عبر قناة روسية تضمن لها دعماً سياسياً واستراتيجياً دون الحاجة إلى تقديم تنازلات مباشرة لواشنطن.
إيران اليوم ليست فقط في طور إعادة رسم استراتيجيتها الخارجية، بل تمر بتحولات داخلية تُعيد تشكيل مراكز النفوذ في النظام. وبقدر ما تبدو هذه المرحلة عنوانًا لمرحلة أكثر تشددًا، فإنها تعكس أيضًا قلقًا داخليًا من إمكانية فقدان السيطرة في لحظة حساسة، حيث تُدرك القيادة الإيرانية أن أي تغيير غير محسوب قد يُعيد تشكيل المعادلة السياسية بأكملها، داخليًا وخارجيًا.