38°C تونس
April 19, 2025
عرب بين الهزائم والاحتفالات بالنصر المزعوم.
الافتتاحية

عرب بين الهزائم والاحتفالات بالنصر المزعوم.

يناير 26, 2025

بقلم – أ. حذامي محجوب
( رئيس التحرير ) .

لا يمكن الحديث عن أي حرب دون الإقرار بحقيقتها المؤلمة: في كل صراع، لا يوجد منتصر مطلق، والمقاييس تختلف بين القوي والضعيف.
ما يُعدّ نصرًا في نظر البعض قد يكون مأساة كاملة في عيون الآخرين. هذا لا يعني أن إسرائيل هي المنتصرة في حربها الأخيرة على غزة، كما لا يعني أن معاناة الفلسطينيين وأطفالهم والمدنيين والأسرى من كلا الجانبين تُنسى أو تُهمّش، لكن التفكير بعقلانية يفرض علينا التأمل بعمق في هذه المآسي بدلًا من الاكتفاء بالشعارات والانتصارات الوهمية التي أصبحت جزءًا من ثقافتنا السياسية والإعلامية.
منذ هزيمة عبد الناصر في مصر عام 1967، بدأ العالم العربي يدخل في سلسلة من النكسات الكبرى التي ما زالت تبعاتها تُلقي بظلالها الثقيلة.
عبد الناصر، رغم الهزيمة، تحلى بالشجاعة ليعترف أمام الشعب المصري بمسؤوليته عن الكارثة، وأثبت أن البقاء في السلطة ليس انتصارًا بحد ذاته.
على الجانب الآخر، ظهرت نماذج لقادة حوّلوا الهزائم إلى مهرجانات للنصر المزعوم، كما فعل صدام حسين في العراق بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، حين أعلن النصر بينما كانت البلاد تُدمَّر وشعبه يُقتل بمئات الآلاف.
“أم المعارك” كما سماها، كانت كارثة كبرى دفعت العراق ثمنها لعقود طويلة، ورغم ذلك ظل وهم النصر يُسوَّق وكأنه حقيقة.
في غزة، لا يبدو المشهد مختلفًا. وقف إطلاق النار الأخير كان بمثابة فرصة لمقاتلي حماس للخروج من الأنفاق والاحتفال بانتصارهم المزعوم، لكن أي نصر هذا الذي يُحتفل به في مدينة مدمرة؟ .
أرقام الضحايا تروي قصة مغايرة: خمسون ألف قتيل، مئة ألف جريح، عشرة آلاف مفقود. مجتمع بأكمله تحطم تحت وطأة حسابات سياسية ضيقة وصراعات أيديولوجية لا تعترف بحجم المأساة الإنسانية.
أهل غزة الذين يعيشون عزلة مزدوجة عن العالم وعن بقية فلسطين باتوا اليوم غارقين في هزيمة روحية أعمق، بعدما اختُزلت حياتهم في خدمة أجندات لا ترى فيهم سوى أدوات للصراع.
الثقافة العربية في التعامل مع الهزائم تعكس مأساة متكررة. عبد الناصر، رغم كل شيء، قدّم نموذجًا أخلاقيًا في تحمل المسؤولية. أما صدام حسين، فقد كرّس الهزيمة كمادة للفكاهة السوداء التي عاشها العراقيون بلا خيار. لبنان بدوره شهد تسويقًا متكررًا للنصر رغم الخسائر المادية والبشرية الفادحة، حيث أصرت أطراف كحزب الله على تصوير الحروب كإنجازات تاريخية رغم الخراب الذي يطال الدولة والشعب.
غزة ليست استثناءً من هذه العقلية، بل تجسيد مكثف لها. الاحتفاء بالهزيمة وكأنها انتصار أصبح جزءًا من السردية العامة التي تغذيها قيادات لا تكترث للثمن الذي يدفعه الشعب.
في كل مرة يُطلق فيها الرصاص أو تسقط القذائف، يكون المدنيون هم الضحايا الحقيقيون، بينما يصرّ السياسيون على تقديم أوهام الانتصار على أنها حقائق ثابتة.
المطلوب اليوم ليس المزيد من الشعارات الفارغة أو الاحتفالات الزائفة، بل لحظة صدق مع الذات. الاعتراف بالهزيمة ليس ضعفًا، بل قوة.
مواجهة الواقع بشجاعة وتحمل المسؤولية عن الأخطاء هو أول الطريق نحو التغيير الحقيقي، لأن الشعوب التي تبقى عالقة في دوامة الألم لا يمكنها بناء مستقبل أفضل. الشعوب في حاجة إلى الأمن والصحة والعيش الكريم قبل أن تسمع شعارات النصر والمقاومة.
أجيال بأكملها تنشأ وسط الخراب والجوع والتشريد، ويُطلب منها أن تصفق للزعامات وتقتنع بوهم الإنجازات.
إن بناء الأوطان لا يبدأ بالاحتفال بانتصارات مزعومة، بل بتوفير أبسط حقوق الإنسان : حياة كريمة تليق بإنسانيته، بعيدًا عن جعجعة السلاح وخراب الحروب .

1 Comment

  • فعلا تقييم نتائج الحروب يبقى مسألة لا يمكن ان تبلغ الموضوعية وتبقى نسبية فليس هناك هزيمة مطلقة وليس هناك نصر مطلق ولكن حين ننظر من زاوية هزائمنا كعرب فإن ما حدث في غزة ليس هزيمة للفلسطينيين فحسب بل لكل الانظمة العربيةورفع القناع عن سياساتهم

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *