إتصل بنا

تونس 38°C

يناير 17, 2025

يناير 17, 2025

إتصل بنا

منطقة “العلا ” بالسعودية : ساحة فنية وسط صحراء الزمن .
ثقافة وفنون

منطقة “العلا ” بالسعودية : ساحة فنية وسط صحراء الزمن .

يناير 17, 2025

عواصم – عرب 21 :
في قلب الصحراء السعودية، حيث تلتقي الرمال بالسماء، تجسد منطقة العلا واحدة من أكثر المشاريع الثقافية طموحًا في الجهة .
في 12 ديسمبر 2024، وُضع وادي النعام، ذو الصخور الرملية الوردية، على موعد مع عرض فني غير تقليدي .
ثلاثون من الفنانين، يرتدون الأبيض، يقفون متباعدين في هذا المشهد الطبيعي الخلاب. أصواتهم، التي تتناغم مع الرياح وصيحات الطيور، تتردد في الأفق، كأنها شكاوى عابرة للزمن تتنقل بين الصخور نفسها.
هذه اللحظة السحرية، التي حملت توقيع الفنان الفرنسي أوغو شيافي والفنانة الأمريكية السعودية سارة إبراهيم، كانت أكثر من مجرد عرض ؛ كانت بيانًا فنيًا عن التقاء الطبيعة الصحراوية بالحضارة العالمية .
” العلا ” ، هذه المدينة القديمة التي كانت محظورة لعقود طويلة ، بدأت اليوم تعيش مرحلة جديدة من الإشراق الثقافي والسياحي، لتصبح واحدة من أروع التحولات التي شهدتها المملكة.
ولأن التاريخ يتنفس بين أركانها، اختار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العلا كرمز لتحول المملكة، حيث تعانق الأرض والسماء في مشروع حضاري بعيد المدى.
قبل أكثر من عقد من الزمن ، كانت المقابر النبطية في الحجر، إحدى عجائب العالم القديم، مغلقة أمام الزوار .
لكن الآن، أصبح هذا الموقع التاريخي، الذي يعود إلى ما قبل الإسلام، أحد أبرز المعالم المسجلة ضمن التراث العالمي لليونسكو، حيث يفتح أبوابه اليوم للزوار من جميع أنحاء العالم، ويجذب السياح السعوديين والصينيين والغربيين على حد سواء .
هذه المقابر، التي تعكس حضارة نبطية غنية، هي شاهد على تطور العلا من ماضيها العريق إلى حاضرها المزدهر.
و وسط هذا التحول، يقف “متحف الفن المعاصر” بالشراكة مع مركز بومبيدو الفرنسي، جنبًا إلى جنب مع مؤسسة “فيلا الحجر”، وهو مركز ثقافي متعدد التخصصات يُفتتح في سنة 2026 .
تُدار “فيلا الحجر” بالشراكة بين وكالة “أفالولا” الفرنسية والهيئة الملكية لتطوير العلا،حيث يلتقي الفن الفرنسي بالسعودي ليشكلا معًا صورة جديدة للعلاقة بين الثقافات. يهدف المركز إلى بناء جسور ثقافية، وليس تصدير هيمنة ثقافية، بل يشير إلى تعاونه المشترك مع المملكة في إطار مبادرات متعددة تعكس التراث السعودي مع لمسات عالمية.
وبينما يتحقق هذا التحول الرائع، لا تقتصر العلا على كونها مركزًا ثقافيًا فحسب؛ بل هي مدينة تسعى جاهدة لأن تصبح وجهة عالمية. ففي قلب الصحراء، حيث يعانق الفن الأرض، نجد أكبر مبنى عاكس في العالم، “قاعة مرايا”، التي أصبحت اليوم مركزًا للحفلات الموسيقية. وبين المنحدرات الصخرية، تشهد العلا عرضًا تلو الآخر، مثلما شهدت في سنة 2024 عروضًا فنية رائعة، كان أبرزها عرض باليه أوبرا باريس، الذي قدمه 18 راقصًا وسط صمت الصحراء، حيث تلاشت الموسيقى ليحل محلها صوت الرياح وحركات الراقصين الرشيقة التي تأثرت بالرمال والهواء.
ما تشهده العلا اليوم هو أكثر من مجرد تحول ثقافي، بل هو انتصار للفن كوسيلة لبناء جسور التواصل بين الشعوب.
هذه المشروعات الثقافية ليست مجرد حدث عابر، بل هي بداية لعصر جديد من التنوع الثقافي، حيث يجتمع الفن الغربي مع التراث السعودي ليصنعا معًا لحظة تاريخية.
تبدو مؤسسة “فيلا الحجر” التي تديرها فريال فوديل من أبرز الركائز لهذا المشروع الطموح .
مع توجه العلا نحو جذب مليون زائر بحلول عام 2030، تظل هذه المدينة الصحراوية في طليعة المشهد الثقافي العالمي، حيث يمكن للعالم بأسره أن يشهد الإبداع الذي ينبثق من صحراء الزمن ، ويشاهد كيف يمكن للفن أن يتناغم مع البيئة والثقافة المحلية.
في العلا، حيث تلتقي الأرض بالسماء، تكتب المملكة العربية السعودية فصلًا جديدًا في ابداع قصة الفن والثقافة، ويظل الجمهور، الذي يشاهد هذه العروض الفريدة، مفتونًا بجمال الطبيعة وروعة الفن الذي ينبع منها ويتناغم معها.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *