دولة السلطة في مواجهة سلطة الدولة : في أزمة المجتمع العربي.
بقلم : أ. حذامي محجوب
نظم كرسي الإيسسكو للتفكير في العيش المشترك ومعهد تونس للفلسفة يوم الجمعة 13 ديسمبر 2024 محاضرة للفيلسوف الفلسطيني الأستاذ أحمد نسيم البرقاوي تحت عنوان: “أطاريح في مفهوم الزمان التاريخيّ” .
والفيلسوف أحمد نسيم البرقاوي هو اليوم عميد بيت الفلسفة بامارة الفجيرة ورئيس تحرير مجلة ” بيت الفلسفة ” .
قدم أحمد نسيم البرقاوي في محاضرته قراءة عميقة ومركبة لمسار التاريخ والممكنات التي تنشأ في سياق الأزمات والمآزق، مركزًا على مفهوم “دولة السلطة” بوصفها النقيض لمفهوم “سلطة الدولة”.
سعى البرقاوي الى تفسير الركود التاريخي الذي تعيشه المجتمعات العربية من خلال استعراض التحولات الذهنية والاجتماعية والسياسية، ليخلص في النهاية إلى تحليل أزمة السلطة والدولة في العالم العربي.
انطلق البرقاوي من نقد فكرة الحتمية التاريخية، مؤكدًا على أن المصادفات تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل التاريخ.
فالإمكانات التاريخية التي قد تبدو بعيدة المنال لا يمكن التنبؤ بها دائمًا، لأن التاريخ ليس عملية خطية تحكمها قوانين صارمة. المصادفات، رغم عدم توقعها، ليست عبثية؛ فهي تعبر عن إمكانيات كانت كامنة في لحظة ما.
أشار البرقاوي إلى أن التغيرات القريبة، تلك التي يمكن ملاحظتها في الواقع المعيش، قد تكون حاسمة، لكنها خطيرة في الوقت ذاته، إذ قد تنطوي على إمكانات إيجابية أو سلبية. الأزمة، كما يعرفها البرقاوي، هي انقطاع مؤقت في مسار التطور التاريخي، ولكن المأزق التاريخي، على النقيض، يعبر عن مستنقع من الإمكانات الميتة والمتفسِّخَة التي قد تنفجر بأشكال عنيفة وغير متوقعة، مولدة وعيًا زائفًا .
يتناول البرقاوي دور الذهنيات في تشكيل التاريخ.
الذهنيات، كما يصفها، هي أساليب التفكير التي تتشكل على مدى طويل وتكون بطيئة التغير.
عندما تستيقظ الذهنيات النائمة، مثل ذهنية القبيلة أو الذهنية الدينية، فإن عودتها تكون عنيفة ومؤثرة.
يشير إلى أن العالم العربي اليوم يواجه مشكلة التعايش بين بُنى ذهنية متعددة، تتراوح بين القروية والمدنية، وبين الطائفية والمذهبية.
الذهنيات القروية والعسكرية، بحسب البرقاوي، أفسدت الحياة السياسية والاجتماعية، لأنها تعاملت مع السلطة كغنيمة، منتجة بذلك ما يسميه “دولة السلطة”، التي تقوم على العصبية الطائفية أو القبلية، بدلاً من مفهوم “سلطة الدولة” التي تستند إلى القانون والمواطنة.
يرى البرقاوي أن “دولة السلطة” هي تجسيد لذهنية الغنيمة، حيث تتحكم العصبية بالقواعد السياسية والاجتماعية، مما يؤدي إلى قمع ثأري يعيد إنتاج الماضي في الحاضر. الأخطر من ذلك، أن دولة السلطة تدمر الفئات الوسطى، التي يعتبرها البرقاوي قلب التاريخ ومحركه.
عندما تنحدر الفئات الوسطى، من مفكرين ومبدعين وأساتذة، إلى الهامش، يتحول المجتمع إلى ساحة للفئات الهامشية التي تتجسد في ميليشيات عنيفة وغير منتجة.
يضيف البرقاوي أن هذه الأزمة تتفاقم بفعل التدخلات الخارجية، حيث أصبحت الدول العربية رهينة لقوى عالمية تتحكم بمسارها التاريخي.
غياب مشروع سياسي واقتصادي وطني يُعبر عن إرادة ذاتية هو ما أدى إلى الركود التاريخي الذي يصفه البرقاوي بأنه فقدان القدرة على إنتاج ممكن تاريخي جديد.
يخلص البرقاوي في نهاية محاضرته إلى أن المجتمعات العربية تحتاج إلى تجاوز مأزق دولة السلطة من خلال خلق وعي واقعي يتوافق مع الإمكانيات التاريخية.
ورغم الركود والتحطيم الذي مر به العالم العربي، يرى البرقاوي أن هذه التجربة قد تكون فرصة لإنتاج وعي جديد قادر على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.