38°C تونس
January 14, 2025
في رومانيا :المحكمة الدستورية صمام امان الديمقراطية في مواجهة التحديات !.
متابعات

في رومانيا :المحكمة الدستورية صمام امان الديمقراطية في مواجهة التحديات !.

ديسمبر 7, 2024

بوخارست -عرب 21 : بقلم : أ.حذامي محجوب .
في خطوة غير مسبوقة في التاريخ الأوروبي الحديث، قررت المحكمة الدستورية في رومانيا يوم الجمعة إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتي كانت مقررة بعد أقل من 48 ساعة.
جاء هذا القرار المفاجئ في خضم حملة انتخابية شابتها اتهامات خطيرة بتدخل روسي لدعم مرشح اليمين المتطرف كالين جورجيسكو، مما ألقى بظلال من الشك على شرعية وشفافية العملية الانتخابية برمتها. المحكمة الدستورية بررت قرارها بأنه يهدف إلى ضمان شرعية وقانونية الانتخابات، داعية إلى إعادة تنظيم العملية الانتخابية بشكل كامل ومؤكدة على ضرورة حماية الأسس الديمقراطية للبلاد.
قبل ذلك بيومين، كشف الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس عن مذكرة صادرة عن المجلس الأعلى للدفاع الوطني تحذر من تدخل روسي في الانتخابات عبر استخدام منصة “تيك توك”. هذه المذكرة اتهمت روسيا باستغلال الشبكة الاجتماعية لدعم مرشح اليمين المتطرف عبر حملات دعائية منظمة.
بدورها، وصفت المرشحة الوسطية إيلينا لاسكوني، التي كانت المنافسة الأبرز لجورجيسكو، قرار المحكمة بأنه غير قانوني وغير أخلاقي، معتبرة أنه يمثل انتهاكًا واضحًا للديمقراطية في رومانيا.
ومع ذلك، أعلنت المحكمة تمديد ولاية الرئيس الحالي، التي كان من المفترض أن تنتهي في 21 ديسمبر، إلى حين تنصيب الرئيس الجديد.
في الأيام التي سبقت القرار، كانت المؤسسات الرومانية في حالة تعبئة كاملة لمنع انتخاب مرشح اليمين المتطرف.
ولأول مرة منذ سقوط النظام الشيوعي في ديسمبر 1989، تخلت الأحزاب المؤيدة لأوروبا عن خلافاتها ودعمت بشكل موحد المرشحة الوسطية إيلينا لاسكوني.
حتى الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية، التي كان بعض رجال الدين فيها قد أعربوا عن دعمهم لجورجيسكو، أصدرت بيانًا دعت فيه إلى الحياد وشددت على أهمية التزام رومانيا بالتوجه الأوروبي.
عشية القرار، شهدت العاصمة بوخارست مظاهرة كبيرة لدعم لاسكوني، شارك فيها فنانون وشخصيات بارزة، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية لتغيير المؤشرات، حيث أظهرت استطلاعات غير رسمية تقدمًا كبيرًا لجورجيسكو.
التقارير الاستخباراتية كشفت عن دور كبير لشبكة “تيك توك” في دعم جورجيسكو، حيث تم رصد 25 ألف حساب مرتبط بحملته الانتخابية. هذه الحسابات أصبحت نشطة بشكل غير عادي قبل أسبوعين فقط من الجولة الأولى للانتخابات، وأفادت التقارير بدفع مئات الآلاف من اليوروهات لعشرات المؤثرين مقابل نشر رسائل دعائية لصالح المرشح. هذا الدعم المنظم مكّن جورجيسكو، الذي لم يكن يتوقع حصوله على أكثر من 1% من الأصوات، من تحقيق قفزة مفاجئة إلى 23%، ما أثار تساؤلات جدية حول مدى تأثير التدخلات الخارجية على نتائج الانتخابات.
من جانبه، وصف جورج سيميون، زعيم حزب “تحالف الوحدة من أجل الرومانيين” القومي، قرار المحكمة بأنه انقلاب على إرادة الشعب. واتهم القضاة بإلغاء نتائج الانتخابات خوفًا من مرشح غير محسوب على المنظومة السياسية التقليدية. ورغم ذلك، دعا أنصاره إلى التحلي بالهدوء لتجنب أي تصعيد.
قرار المحكمة أثار ردود فعل متباينة، حيث اعتبره البعض خطوة ضرورية لحماية الديمقراطية من التدخلات الخارجية، بينما حذر آخرون من أن إلغاء الانتخابات قد يعمق الانقسامات داخل المجتمع الروماني. رئيس الوزراء المنتهية ولايته مارسيل تشيولاكو أيد قرار المحكمة، معتبرًا أنه الحل الوحيد الصحيح بعد الكشف عن وثائق تؤكد حدوث تدخل روسي شوه نتائج الانتخابات.
هذا الحدث يضع رومانيا أمام مفترق طرق غير مسبوق، ويثير تساؤلات حول قوة المؤسسات الدستورية في مواجهة الأزمات. المحللون يرون أن القرار يعكس دفاعًا صحيًا عن القيم الديمقراطية في ظل حرب هجينة تهدد بتقويض شرعية الانتخابات. في المقابل، هناك مخاوف من أن يؤدي هذا القرار إلى استقطاب أكبر في المجتمع الروماني ويزيد من تعقيد المشهد السياسي.
في ظل هذا التطور، بقيت العواصم الأوروبية صامتة، ما يعكس حالة من الحذر تجاه ما يجري في رومانيا. ومع ذلك، يبقى هذا الحدث شهادة على أهمية المؤسسات الدستورية في الحفاظ على نزاهة وشرعية العمليات الانتخابية وحماية الديمقراطية من أي تهديدات خارجية أو داخلية.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *