إنما هذا الإثم إثمنا:ليس “إنسانيا” من يستكثر على الناس كرامتهم الإنسانية.
بقلم د. عادل الحداد (من تونس).
توفي استاذ التربية الإسلامية ، الاستاذ الفاضل الجلولي من الشابة (ولاية المهدية)، متأثرا بحروقه بعد أن عمد إلى إضرام النار في جسده وبعد أن أحرق بعضهم روحه ووجدانه وكرامته… رفض أن تنتهك كرامته بفعل تنمر رهط من التلاميذ وتخاذل بعض الإدارات فاحتج عليهم جميعا بالموت الفظيع وتركهم إلى قذارتهم يلوكونها وإلى سفاهتهم يجترونها دون أن تتوفر لهم فرصة ابتلاعها. لن يقبل رماده اعتذارهم وندمهم.
يمكننا أن ندين من نشاء ولكن:
إثم من هذا الإثم الذي حصل؟
إثم من تنمر في ثقافة التنمر التي انتشرت بيننا… أغلبنا لم يعد يهتم لكرامة غيره ويعتقد أن أخطاء غيره الافتراضية (حتى دون إثبات) كافية لسحله وانتهاك عرضه و”تمريغ” كرامته والتشهير به على أوسع نطاق.. طائفة هامة منا تفرح لهذا ويسرها أن تخترق حياة الآخرين بالسب والشتم واختلاق القصص لنهشهم و”فضحهم” .. من أجل ذلك يعمد بعضنا إلى انتقاء العبارات الموجعة أكثر والمؤلمة أكثر والمحدثة لسخرية أكبر دون مراعاة للأهل والأصدقاء والمعارف والجيران والمنزلة والمكانة والماضي والحاضر والمستقبل والإنسان. بيننا من تشتد سعادته بقدر الألم الذي يحدثه للآخرين وبقدر توسع عذاباتهم…
إن تعرية الناس من كرامتهم بهذا الشكل المهين ليس عملا نبيلا … ليس عملا ثوريا … ليس عملا بطوليا لأنه ليس عملا إنسانيا… ليس “إنسانيا” من يستكثر على الناس إنسانيتهم ويستبيح كرامتهم… إن الخطاب السائد خطاب هيجان الاتهام والشماتة والكراهية والحقد دون تقدير لعذابات الناس ووجيعتهم. إنها جريمة ثقافة أصبحت اجتماعية لا تدرك أن اللهيب قوت اللهيب.
المرحوم الفاضل الاستاذ الجلولي ، بحرقه لنفسه، يشبع نهم سادية اجتماعية لا تشبع، تضخمت واشتد مرضها ويذهب بالأذى إلى مداه المطلق ويرفع الإيلام إلى درجته العليا ويصعد بهما إلى السماء.