الخليج – إيران : تحول تاريخي .. أم استمرارية النزاع !؟ .
بقلم : ا. حذامي محجوب
تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات متسارعة .
تتقاطع المصالح الإقليمية والدولية بشكل لم يسبق له مثيل.
في ظل هذه التحولات، تبرز فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقة بين الدول العربية وإيران، وسط تساؤلات حول إمكانية تجاوز عقود من التوتر وبناء نظام إقليمي جديد .
لكن، هل يملك الجميع الإرادة لصناعة هذا المستقبل؟.
منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في اذار 2023، بوساطة صينية، فتحت أبواب الأمل لمرحلة جديدة من الحوار.
هذا الاتفاق، الذي جاء بعد سبع سنوات من القطيعة، لم يكن مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل نقطة انطلاق لسلسلة من التطورات التي أعادت تشكيل المشهد الإقليمي من جديد .
خلال الأشهر التالية، شهدنا تحركات دبلوماسية لافتة، مثل زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى طهران، وهي الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن ، وزيارة نظيره الإيراني الراحل حسين أمير عبداللهيان إلى عدة دول خليجية.
وفي أكتوبر 2024، التقى الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على هامش قمة “بريكس” في قازان، وهي إشارة واضحة إلى الرغبة في تجاوز خلافات الماضي.
حتى مملكة البحرين، التي لطالما اتسمت علاقاتها مع إيران بالتوتر، دخلت على خط الحوار بإعلانها في يونيو 2024 بدء مساعٍ لاستعادة العلاقات الدبلوماسية.
يأتي هذا التقارب في ظل ضغوط داخلية وخارجية تواجهها جميع الأطراف.
إيران، التي تعاني من تحديات اقتصادية خانقة بفعل العقوبات، تجد نفسها بحاجة إلى إعادة تقييم أدواتها الإقليمية التقليدية، مثل دعم الجماعات المسلحة.
الضربات التي تعرضت لها حركات مثل “حماس” و”حزب الله” قد تدفع طهران نحو استراتيجية جديدة تركز على العلاقات المباشرة مع الدول العربية بدلاً من الاعتماد على وكلائها الإقليميين.
أما دول الخليج، فتدرك أهمية تقليل التوترات الإقليمية لضمان بيئة مستقرة تسهم في تحقيق خططها الطموحة، مثل رؤية السعودية 2030.
الاستقرار الإقليمي ليس مجرد مطلب أمني، بل ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات وتعزيز التنمية .
في سياق متصل ، فان عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2024 تضيف بُعداً جديداً لهذه الديناميكيات. فمن المتوقع أن تعود واشنطن إلى سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، ما قد يزيد من عزلتها الاقتصادية والسياسية.
لكن هذا الضغط نفسه قد يدفع إيران نحو تعزيز حوارها مع دول الخليج لتخفيف وطأة العقوبات الأمريكية.
في المقابل، تسعى دول الخليج إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في صياغة سياساتها الإقليمية كالرهان على الصين كلاعب دولي مؤثر في المنطقة، إلى جانب تعزيز الحوار مع إيران، يوفر فرصاً لتوازن استراتيجي أكثر استدامة.
في ظل هذه التحولات، يبدو أن المنطقة أمام مفترق طرق.
بالتالي يبقى السؤال : هل يمكن تحويل هذه اللقاءات والحوارات إلى أسس لشراكة إقليمية دائمة ؟ .
شراكة تؤسس لبناء نظام إقليمي جديد يتطلب قبل كلّ شيء شجاعة سياسية لمعالجة القضايا الأكثر تعقيداً، مثل الأمن، وتسوية النزاعات، والتعاون الاقتصادي.
ومع ذلك، تظل بعض الأسئلة المحورية تطفو على السطح :
1. هل ستتمكن الدول العربية من تجاوز شكوكها التاريخية تجاه إيران لبناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد، أم أن التقارب الأخير سيكون مجرد خطوة تكتيكية؟.
2. إلى أي مدى ستؤثر التوجهات الداخلية لكل من إيران ودول الخليج على قدرة القادة على تحقيق توافقات دائمة؟.
3. هل يستطيع قادة المنطقة خلق توازن بين المطالب الداخلية والإقليمية وبين الضغوط الخارجية، خاصة مع تغير المشهد الدولي؟.
4. ما هي العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار أو تعزيز أي تقارب إقليمي في المستقبل القريب؟.
5. هل سيتمكن العالم العربي من استغلال الفرصة لتقوية مركزه السياسي والاقتصادي في ظل التحولات العالمية، أم سيظل رهينة للصراعات الداخلية والضغوط الخارجية؟.
6. مع عودة القوى الكبرى إلى الساحة مثل الولايات المتحدة والصين، كيف يمكن لدول الخليج وإيران أن توازن بين علاقاتها مع القوى العظمى واحتياجاتها الإقليميية.
انّ المشهد الحالي يحمل وعوداً بمرحلة جديدة، لكنه لا يخلو من العقبات.
بناء نظام إقليمي أكثر استقراراً ومرونة ليس مجرد خيار، بل ضرورة ملحّة تفرضها التحديات المتزايدة.
يبقى في النهاية السؤال الأهم: هل يمتلك قادة المنطقة الحكمة والإرادة لتجاوز إرث الماضي وصناعة مستقبل مشترك؟.
الإجابة ستتحدد في السنوات القليلة المقبلة، لكن المؤكد أن الجميع أمام اختبار تاريخي لن يُمحى أثره بسهولة.