عدنان البرش… الطبيب الذي قتله الاحتلال وعجز عن قتله النسيان !.
غزة – عرب 21 :
في قلب مدينة غزة، حيث تتشابك المأساة الإنسانية مع القصف والحصار، برز الدكتور عدنان البرش كأحد رموز النضال والصمود.
كان البرش، وهو جراح عظام ورئيس قسم جراحة العظام في مستشفى الشفاء، يعمل وسط ظروف قاسية وغير إنسانية.
لم تكن المستشفيات التي خدم فيها تحتوي على أدنى متطلبات الرعاية الطبية : لا كهرباء ولا أدوية ولا أسِرّة كافية للمرضى الذين تتزايد أعدادهم يومًا بعد يوم.
ومع ذلك، لم يتراجع عن أداء واجبه، بل اختار أن يوثّق عبر وسائل التواصل الاجتماعي واقعًا يبدو للعالم غير قابل للتصديق، حتى أصبح رمزًا محليًا وعالميًا في آنٍ واحد.
أظهرت إحدى الفيديوهات عدنان البرش وهو يستخدم مِجرفة لحفر مقبرة جماعية في فناء المستشفى، حيث دفنت الجثث بعد أن امتلأت ثلاجات المستشفى بضحايا القصف المستمر.
كانت هذه الصورة تلخيصًا مريرًا لما يحدث في غزة.
ورغم تصاعد المخاطر، رفض البرش مغادرة موقعه أو العودة إلى منزله، وفق ما روت زوجته ياسمين، التي أكدت أنه لم يكن يبيت في منزله منذ بداية الحرب.
لكن مصير الدكتور عدنان البرش كان جزءًا من معاناة أكبر.
في ديسمبر 2024، اعتقلته القوات الإسرائيلية أثناء عمله في مستشفى العودة بجباليا، حيث أُجبر على الخروج ثم اختُطف. وخلال الأشهر التي تلت ذلك، تعرض لتعذيب قاسٍ في مراكز الاعتقال الإسرائيلية، كما أظهرت شهادات حقوقية.
في النهاية، نُقل إلى سجن عوفر، حيث توفي في 19 أبريل 2024 .
شهادات الأطباء الذين رأوا جثمانه وصفت معاناته بأنها “لا يمكن تصورها”، حيث بدا وكأنه عاش أسوأ أشكال الجحيم.
رغم وحشية القصة، إلا أن التعامل الرسمي مع وفاته كان باردًا ومجردًا من أي حس بالمسؤولية.
السلطات الإسرائيلية أنكرت مسؤوليتها، مدعية أنه كان “مقاتلًا غير شرعي”، بينما حاولت أجهزة الإعلام الإسرائيلية تجاهل الحادثة بالكامل.
إلا أن العمل الصحفي لقناة “سكاي نيوز” كان له دور استثنائي في فضح الحقيقة.
في تقرير استقصائي عُرض مؤخرًا، كشفت القناة عن تفاصيل مروعة حول ظروف اعتقال البرش ووفاته.
أظهر التقرير أنه أُلقي به في فناء سجن عوفر وهو يعاني من جروح خطيرة وعارٍ من الخصر إلى الأسفل. أشارت المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز إلى احتمالية تعرضه لاعتداء جنسي قبل وفاته، ما أضاف بُعدًا آخر للمأساة.
عمل “سكاي نيوز” لم يكتفِ بسرد الحقائق، بل أعاد تسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها الأطباء والطواقم الطبية في غزة، وهي معاناة غالبًا ما تُهمّش في الإعلام العالمي. بفضل هذا التحقيق، خرجت قصة عدنان البرش من دائرة التعتيم الإعلامي الإسرائيلي إلى مساحة النقاش العالمي.
وبينما تستمر بعض وسائل الإعلام الدولية، وحتى الإسرائيلية، في تجاهل ما يحدث في غزة، كان هذا العمل الصحفي بمثابة خطوة جريئة لكسر الصمت حول الانتهاكات المستمرة.
إن قصة الدكتور عدنان البرش ليست مجرد مأساة شخصية، بل مرآة تعكس ازدواجية معايير العالم في تعامله مع المآسي الإنسانية. في الوقت الذي أبدى فيه المجتمع الإسرائيلي صدمة عميقة لمصير رهائن حماس، اظهر نفس المجتمع تجاهلًا تامًا لمصير البرش وغيره من الأسرى الفلسطينيين.
وبينما تتكرر هذه التناقضات، يبقى البرش رمزًا خالدًا للطبيب الذي رفض التخلي عن إنسانيته حتى في أحلك الظروف.(متابعة حذامي محجوب).