“دبلوماسية ترامب” : سياسة صفقات ومتعددة الأطراف.
بقلم – ا.حذامي محجوب
مع تسلّم دونالد ترامب السلطة في 20 يناير 2025، من المتوقع ان تحمل سياسته الخارجية ثلاثة ابعاد رئيسية : غياب التدخلات العسكرية،ضعف التعدديةوالسعي نحو الصفقات.
يتسم نهج ترامب بالتركيز على المصالح الأمريكية الصرفة وتقديم “أميركا أولاً” كإطار لسياساته، مما يميزه عن السياسات التقليدية التي توازن بين المصالح العالمية والأمن القومي الأمريكي .
رغم أن الرئيس الأميركي يمتلك دوراً محورياً في توجيه دبلوماسية بلاده، إلا أنه يحتاج إلى دعم الكونغرس وتمويله، وتصديق أغلبية الثلثين من اعضاء مجلس الشيوخ على المعاهدات. لذلك، يعتمد ترامب في قراراته الكبرى على مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، مما يجعله قائداً مؤثراً، لكنه ليس منفرداً.
هذا النظام الداخلي قد يحد من استقلالية قراراته ويجعل توجهاته مرهونةً بالتوازنات السياسية الداخلية.
يعتبر ترامب نفسه براغماتياً لا يميل للحروب، وقد عارض فكر المحافظين الجدد الذين يحاولون فرض الديمقراطية بالقوة.
لو كان ترامب في السلطة عام 2011، لربما امتنع عن المشاركة في الحملة الغربية ضد ليبيا، التي قادت البلاد إلى فوضى لا تزال تداعياتها تهدد منطقة الساحل.
وقد ظهر هذا الموقف مجدداً بعد إسقاط إيران لطائرة استطلاع أميركية عام 2019، حين اختار عدم الرد عسكرياً، معتبرًا أن الهجوم لا يستحق تصعيداً.
ورغم تحفظه على الحرب، لم يتردد في التصرف بحزم عند استهداف قائد فيلق القدس قاسم سليماني في بغداد عام 2020، مؤكدًا أن اختياره عدم الرد في مناسبات معينة لا يعني التراجع عن الخطوط الحمراء.
التعددية، حسب الكثير من المحللين، لا تتوافق مع شخصية ترامب؛ فهو يميل لعقد الصفقات الثنائية ويفضل الابتعاد عن الاجتماعات الدولية المطولة والخطب والوعود.
هذا يفسر انسحابه من اتفاقيات عدة، مثل اتفاق باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني، واتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ. دبلوماسيته في هذا المجال ستكون أقرب إلى النهج الأحادي، حيث يتم التركيز على مصلحة “ أمريكا أولا ”.
من المتوقع أن يسعى لإلزام الدول الأوروبية في الناتو بزيادة إنفاقها العسكري مقابل الحماية الأميركية، وربما يلوّح بخفض الالتزامات الأميركية في أوروبا في حال عدم استجابة الحلفاء.
أما على صعيد الصفقات، فإن ترامب يرى فيها وسيلة فعّالة لتحقيق الأهداف السياسية. هو يخطط لحل النزاع الأوكراني عبر إجبار زيلينسكي وبوتين على التوصل إلى اتفاق سلام، مؤكدًا على قدرة الولايات المتحدة في فرض حلول وسطى على الأطراف المتنازعة.
هذه الثقة تأتي من اعتقاده بقدرته على بناء حلول تستند إلى واقعية سياسية وتجنب التدخلات في الشأن الداخلي للدول .
فيما يتعلق بإيران، يعتقد العديد من المراقبين أن ترامب سيشدد الموقف الأمريكي بشكل أكبر.
قد يسعى إلى فتح “صفقة كبرى” تشمل جميع المجالات مع النظام في طهران. وربما يقدم اقتراحًا للإيرانيين يقضي بأن تعود إيران لتصبح القوة التجارية الكبرى في الشرق الأوسط بشرط التخلي عن برنامجها النووي وعن استخدام نفوذها في المنطقة كقوة عسكرية .
بينما يبدي ترامب اهتمامه بالصفقات، قد تواجه محاولاته برفض قاطع من قبل القيادة الإيرانية، كما حدث عندما رحب ترامب بوساطة ماكرون في سبتمبر 2019 على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه واجه فيتو من المرشد الأعلى الإيراني في اللحظة الأخيرة، مانعًا أي تقارب.
هل سيقبل النظام الإيراني مع الرئيس الاصلاحي هذا العرض ولو بصفة وقتية ؟ هذا ما ستكشف عنه الأشهر المقبلة .
بالنسبة الى منطقة الشرق الأوسط، من المتوقع أن يمارس ترامب ضغوطاً قوية لإنهاء النزاع العربي-الإسرائيلي وفق رؤيته، ولن يسمح لنتنياهو بتحديه كما حدث مع بايدن وبلينكن. كما سيواصل توسيع اتفاقيات أبراهام، ساعيًا لالحاق السعودية اليها ، مما سيشكل خطوة كبرى نحو رؤية سلام شامل بين الدول العربية وإسرائيل .
علاوة على ذلك، من المرجح أن تكون علاقته مع الصين والاتحاد الأوروبي حذرة وصارمة، مما يضع الأوروبيين أمام دبلوماسية صارمة لكنها واضحة، فيما تتجه الصين نحو تحديات أكثر عمقًا مع واشنطن .
يقول هنري كيسنجر – “إن الفن العظيم للتفاوض هو أن تقنع الآخرين بقبول ما تريد بينما هم يعتقدون أنهم حصلوا على ما يريدون ” .
لهذا قد تكون احيانا اسوأ تسوية افضل بكثير من خوض حرب .