هزيمة كامالا هاريس: كيف خسر الحزب الديمقراطي سباق الرئاسة ؟
بقلم أ. حذامي محجوب
بروح عالية من المسؤولية، رغم التأثر الذي بدا عليها ، قدّمت كامالا هاريس للرئيس دونالد ترامب ما رفض هو أن يقدّمه للرئيس جو بايدن قبل أربع سنوات: الاعتراف بالهزيمة. في يوم الأربعاء 6 نوفمبر، توجّهت المرشحة الديمقراطية إلى أنصارها المتجمعين في جامعة هوارد بواشنطن، لتعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية.
قالت هاريس: “إن مبدأ التداول السلمي على السلطة هو، أكثر من أي شيء آخر، ما يميّز الديمقراطية عن النظام المَلَكي أو الاستبدادي ”. وأكدت نائبة الرئيس السابقة، التي تحدثت مع الفائز، التزامها بمساعدته خلال فترة الانتقال. ووعدت بأن “شعلة الوعد الأمريكي ستظل مضيئة طالما استمر الكفاح”. رغم الهزيمة، لم تُظهر علامات ندم، بل عبرت عن امتنانها لمناصريها الذين وقفوا بجانبها، وقالت: “أنا فخورة للغاية بالسباق الذي خضناه وبالطريقة التي أدرناه بها”.
كما أظهرت جين أومالي ديلون، مديرة حملة هاريس، روحًا مماثلة في رسالة شكر للمتطوعين، حيث قالت: “لقد واجهتم رياحًا عاتية وظروفًا خارجة عن سيطرتكم”.،
وعند حديثها عن المصالحة،اعتبرتها حاجة ضرورية لبلد أرهقته “فوضى عهد ترامب”، لكن يبدو ان هاريس قد تجاهلت مسائل رئيسية تهم المواطنين، مثل المقدرة الشرائية والهجرة، إضافة إلى استياء متزايد من تكلفة التدخلات العسكرية الخارجية . هذه القضايا الاساسية بالنسبة للمواطن الامريكي ،ساهمت في تكوين رغبة شعبية في التغيير.
فضلا على أن بايدن، الذي بلغ من العمر 81 عامًا، لم يكن عليه أن يترشح مجددًا. ففي عام 2020، وعد بأن يكون “رئيسًا انتقالياً”، إلا أنه لم يلتزم بوعده دون تقديم تفسير واضح. حتى بعد أن قرر التراجع عن الترشح في 21 يوليو، كان الأوان قد فات، وكان الضرر قد حدث بالفعل.
أمام هذه الفرصة الضائعة، منح الديمقراطيون الثقة لنائبة الرئيس كامالا هاريس، مما فتح المجال لترامب كي ينتقدها ويعتبرها كشخصية غير منتخبة، مدعومة من “انقلاب ناعم”. وقد أظهرت هاريس، برأي العديد من الملاحظين ضعفًا واضحًا في مواجهتها لتحديات هذه الفترة الحرجة التي استمرت ثلاث اشهر فقط، حيث فشلت في توسيع قاعدة تحالفها الانتخابي على الرغم من محاولاتها لجذب المحافظين المعتدلين والمستقلين.
أسلوب هاريس المحافظ في الحملة، والتركيز على سبع ولايات حاسمة فقط، لم يساعدها في كسب قاعدة جماهيرية أوسع. على العكس، أهملت قاعدتها التقليدية، وخاصة الشباب والتيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي، ما أدى إلى نتائج أقل من المتوقع في ولايات ديمقراطية قوية مثل نيويورك وكونيتيكت.
وعلى الرغم من محاولاتها استقطاب دعم واسع، كظهورها مع ليز تشيني، نائب الرئيس السابق ديك تشيني، إلا أن ذلك لم ينجح في استمالة المحافظين والمستقلين، بل أضاف فجوة بين هاريس والناخبين الشباب الذين شعرت وكأنهم مضمونون بسبب مواقفها بشأن الإجهاض والسياسات الليبرالية.
وعلى صعيد القضايا الاقتصادية التي كانت تشغل الأمريكيين، فشلت هاريس في تقديم رؤية واضحة لمعالجة التضخم المرتفع الذي أثّر على حياة الأمريكيين اليومية. ورغم جهود بايدن في معالجة التضخم، إلا أن التركيز الإعلامي على مؤشرات النمو وتوفير فرص العمل لم يكن كافيًا لكسب ثقة الناخبين، إذ لم تُترجم هذه الأرقام إلى تحسن فعلي في حياتهم.
وعلى الجهة الأخرى، استطاع ترامب استمالة فئة واسعة من الرجال بين 18 و29 عامًا، والتي زادت نسب دعمها للجمهوريين بنسبة 28 نقطة بين عامي 2020 و2024. كان هذا التحول الكبير جزءًا من جاذبية أسلوب ترامب المباشر وثقافة “الذكورة الرياضية” التي يُظهرها، ما زاد من شعبيته في أوساط الأمريكيين غير المهتمين بتفاصيل السياسة.
حتى دعم النجوم والمشاهير، مثل تايلور سويفت وبيونسيه وبروس سبرينغستين، لم يكن له تأثير واضح عل النتائج بل ظهر البودكاست كشكل جديد من التأثير الشعبي، حيث كان للمضيف جو روغان تأثير قوي لصالح الجمهوريين.
وفي ظل هذه الظروف المعقدة، لم تتمكن كامالا هاريس من كسب تأييد الطبقات الشعبية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد في مرحلة ما بعد كوفيد-19، حيث واجهت إدارة بايدن تضخمًا كبيرًا في الأسعار، فاقم من أعباء الطبقة الوسطى والأسر محدودة الدخل.
وعلى الرغم من محاولات الديمقراطيين، فقد واجهوا صعوبة في التواصل مع الفئات المحرومة التي فضلت رؤية الجمهوريين ووعودهم الاقتصادية. مع ذلك، كان الانقسام بين الثقافتين الديمقراطية والشعبوية واضحًا، حيث رأت الفئة الأخيرة في حركة MAGA (اجعل أمريكا عظيمة مجددًا) تجسيدًا لروحها الشعبية، حتى ولو كان ذلك على حساب احترام القوانين والمؤسسات الديمقراطية.
هكذا تكشف نتائج الانتخابات عن فجوة عميقة في المجتمع الأمريكي، وهي فجوة تتجاوز الولايات المتحدة لتظهر في دول أخرى متأثرة بالموجة الشعبوية . في هذه الدول، لا يُنظر إلى السلطة كوسيلة لتحقيق العدالة والقيم الديمقراطية، بل كأداة لتنفيذ رغبات الأغلبية، ما ينذر بصعود الشعبوية والتراجع عن المبادئ الديمقراطية التقليدية.