38°C تونس
December 14, 2024
ترامب يعود الى البيت الأبيض: سياسي يفرض هيمنته على السلطة !.
أراء وأفكار

ترامب يعود الى البيت الأبيض: سياسي يفرض هيمنته على السلطة !.

نوفمبر 7, 2024

بقلم : ا . حذامي محجوب

عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مدفوعاً بغريزة سياسية جامحة، محققاً عودة تاريخية إلى الساحة السياسية الامريكية رغم متاعبه القضائية.
عُرف الملياردير الجمهوري منذ البداية بحدسه الفريد ودوافعه العدوانية واعتماده على شغفه بالترويج لصورته وتمسكه بأسلوبه الاستفزازي في التعامل مع الإعلام وكل معارضيه لجذب اهتمام الخصوم والأنصار. هذا العام، أظهر ترامب بوضوح كيف يجيد اللعب على ردود الأفعال، ليظل في مقدمة الأحداث، مسلطاً الضوء على نفسه بطريقة غير اعتيادية تجر خصومه إلى الرد وتجبرهم على ذلك .
حينما وصف جو بايدن أنصار ترامب بـ”القمامة” في زلة كلامية قبل الانتخابات بأسبوع، لم يضيع ترامب الفرصة، إذ استغل هذا الموقف ليذكر الناخبين بعبارة هيلاري كلينتون في عام 2016 “سلة من البائسين”. في اليوم التالي، ظهر مرتدياً سترة ضيقة على شاحنة لجمع القمامة، وظهر قبل ذلك بأيام في مشهد آخر وهو يرتدي مئزرًا عند نافذة ماكدونالدز في ولاية بنسلفانيا، حيث اختار تجاهل الحديث عن القضايا الجوهرية مثل زيادة الحد الأدنى للأجور، مفضلاً انتقاد الوظائف التي شغلتها كامالا هاريس أثناء دراستها في سلسلة المطاعم نفسها.
هذه المشاهد المتكررة لترامب في الأوساط الشعبوية جذبت اهتمام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
يعبر جيسون ميلر، أحد أقدم مستشاري ترامب، عن ذلك في صحيفة “بوليتيكو”، بقوله: “أردنا التأكد من أن يكون التركيز دائماً حول ترامب”. وهي استراتيجية تستند إلى “إغراق الساحة الإعلامية”، ما يجعل السخط المستمر في المجتمع الأمريكي هو “الوضع الطبيعي الجديد”.
ورغم أن أحداثاً كثيرة في هذه الحملة كفيلة بتحطيم أي حملة تقليدية، إلا أن هذا الأمر يظهر أن الانتخابات لا تتعلق لا بالبرامج أو بالقيم المشتركة بقدر ما تدور حول الأشخاص وقدرتهم على جذب اهتمام الرأي العام والسيطرة عليه.
في هذه الحملة، وسّع ترامب نطاق تأثيره خارج وسائل الإعلام التقليدية، وركز على البودكاست، الذي يمثل اليوم لملايين الأمريكيين المصدر الرئيسي للمعلومات. وفقاً لجيسون ميلر، يعود الفضل في هذا التحول إلى بارون، الابن الأصغر لدونالد ترامب، الذي اقترح عدداً من نجوم هذه المنصات، حيث حققت توصياته مشاهدات قياسية وانتشرت عبر الإنترنت.
أصبحت السياسة بالنسبة لترامب هذا العام شأناً عائلياً أكثر من أي وقت مضى، ورغم انسحاب ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر من المشهد، فقد تولى نجله دون جونيور دوراً قيادياً في دائرة “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” (MAGA)، حيث سعى لتعزيز سيطرة العائلة على الحزب الجمهوري، خاصة بعد بعض الانشقاقات فيه باتجاه الحزب الديمقراطي.
كما برز دور لارا ترامب، زوجة أخيه، التي أصبحت على رأس اللجنة الوطنية الجمهورية.
في الوقت الذي لا يزال فيه ترامب يحظى بقدرة كبيرة على الاستفزاز والتحدي، يواصل تقديم وعوده بحل قضايا محورية: إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، خفض التضخم، خفض أسعار الطاقة إلى النصف في غضون عام، وتقديم تخفيضات ضريبية واسعة. يستخدم لغة سياسية بسيطة تصل مباشرة إلى قاعدة مؤيديه المتأثرين بخطابه، وخاصة الأغلبية الباحثة عن الحلول العاجلة.
لكن أهم ما يميز هذه الحملة ليس فقط الاستمرار على نفس الأسلوب، بل التحول الكبير في شخصية ترامب السياسية.
اذ لم يعد ذلك الشخص الذي كان مستعداً لدفع المال لشراء صمت نساء لحماية سمعته، ولم يعد ذاك المنتصر الذي سحق هيلاري كلينتون ودخل البيت الأبيض متفاجئاً بنجاحه دون فريق متماسك. إنه الآن رجل في الـ78 من عمره، مندفعاً برغبة جارفة في السلطة، عازماً على هز أركان الحكومة الفيدرالية وإبطال أي عمل قام به الديمقراطيون على المستويين الدولي والمحلي، حتى ولو تطلب الأمر قرارات صارمة وتحالفات جديدة.
بينما يعتبر ترامب أبراهام لينكولن، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، مرجعه المفضل تاريخياً، إلا أن مقارناته الذاتية انتقلت أخيراً إلى زعيم المافيا الشهير آل كابوني، متفاخراً بعدد التهم الجنائية الموجهة ضده. هذه المقارنة توضح كيف استطاع ترامب أن يستغل التحقيقات القضائية ليجعل منها أداة لتعزيز مكانته، وجلب انبهار الأمريكيين لرباطة جأشه وقوته، مستخدماً السخرية.
في مواجهة أربع موجات من التهم في عام 2023، بين قضايا فيدرالية ومحلية، بتهم تشمل حيازة غير قانونية لوثائق سرية والتآمر لقلب نتيجة انتخابات 2020، تمكن ترامب من الاحتفاظ بترشحه بفضل فريق دفاعه ودعم القضاة المحافظين في المحكمة العليا. بات يُنظر إلى ترامب كصاحب حق مسلوب، يقف بوجه نظام قانوني يعاني من الخلل، في ظل استمراره في التنديد بمؤامرة سياسية-قضائية تهدف لإسقاطه.
وسط هذا الخضم، أصبح ترامب محور الاستقطاب الرئيسي في الجسم الديمقراطي الأمريكي، مهاجماً خصومه بأنهم قد أضروا بأمريكا وبمصالح الأمريكيين.
يقول توماس هوبز “الإنسان في حالة الطبيعة ليس سوى وحش بشري، وكل واحد يسعى للهيمنة على الآخر”.
تبدو حياة دونالد ترامب خارج السلطة بائسة ولا طعم لها “إنه فعلاً حيوان سياسي”.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *