كمال داود يفوز بجائزة ” غونكور ” عن روايته “حوريات”: صرخة حياة من قلب العشرية السوداء .
باريس – عرب 21 :
نال الكاتب الفرنسي الجزائري كمال داود جائزة ” غونكور ” لعام 2024 عن روايته “حوريات” الصادرة عن دار ” غاليمار ” .
كان داود مرشحا قويا للفوز بهذه الجائزة، التي تُعدّ من أرفع الجوائز الأدبية الفرنسية. روايته “حوريات” ليست مجرد عمل أدبي، بل حكاية من رحم المعاناة، تبرز قوة الشعرية السوداء وتتناول قضايا العنف والصمود.
تدور احداث الرواية حول شخصية “فجر”، وهي شابة جزائرية فقدت النطق في طفولتها بعد تعرضها لمحاولة ذبح فاشلة وهي في الخامسة من عمرها، خلال ما يعرف بـ “العشرية السوداء” في الجزائر (1992-2002)، فترة الصراع الدموي بين الجماعات الإسلامية والجيش الجزائري.
تتوجه “فجر” ،” اوب “بالحديث إلى جنينها الذي تحمله وتفكر في إجهاضه، مستعيدة ذكرياتها المؤلمة في القرية التي تعرضت فيها للإصابة وفقدت أهلها، حيث قُتل والدها ووالدتها وشقيقتها وآلاف القرويين الآخرين في مذابح العشرية السوداء.
تطرح الرواية تساؤلات حول معنى الحياة والموت، وتبرز رحلة البحث عن الشفاء وسط ذكريات العنف والتحديات التي تواجهها النساء في سياق صراعات تتسم بالقسوة.
في حديثه لوسائل الاعلام ، أعرب كمال داود عن اعتزازه بكونه أول كاتب جزائري يفوز بجائزة ” غونكور ” ، خاصة في ظل التوترات السياسية والذاكرية بين الجزائر وفرنسا. قال داود: “أنا طفل الجزائر، المدرسة الجزائرية، والطموحات الجزائرية. هذه الجائزة لها معانٍ عديدة، بداية على المستوى الشخصي فهي نجاح لي ولعائلتي. كما أنها إشارة قوية للكتاب الجزائريين الناشئين، أولئك الذين يرهبهم التيار السياسي ويثبطونهم في بداية طريقهم”. وأشار داود إلى أن هدفه من الكتابة ليس تسييس الأدب، بل نقل رسالة تحفز على التفكير العميق في قضايا الحريات وحقوق المرأة. وأضاف: “أنا كاتب ولست سياسيًا، الكتاب لا يغير العالم، لكن إذا قُرئ على نطاق واسع يمكن أن يحمل رسالة. آمل أن يسلط هذا الكتاب الضوء على قيمة الحرية، خاصة للنساء، وأن يساعد الجزائريين على مواجهة تاريخهم كله دون تمجيد جزء معين على حساب الآخر”.
يؤكد داود أن رواية “حوريات” ليست رواية حرب، بل هي رواية بعث وحياة. كتبها بحثاً عن السعادة، بعد أن استقر في فرنسا وبحث عن أسباب لإعادة بناء ذاته بعيداً عن واقع بلاده الحزين. يوضح داود: “في الجزائر نولد بشعور بالذنب لأننا لم نشارك في حرب التحرير، مع فكرة أننا أخذنا السعادة من أشخاص ماتوا من أجلنا، وأن الفرح شيء غير لائق لأننا بلد يعيش في طقوس جنائزية دائمة. احتجت لإعادة بناء أسباب السعادة دون الشعور بالذنب، خاصةً بعد أن عشت الحرب الأهلية”.
في كلمته بعد تسلم الجائزة، أوضح داود أن شخصية “فجر” تجسد “كل النساء، بما في ذلك المرأة التي خلعت ملابسها في إحدى الجامعات الإيرانية”، في إشارة إلى الطالبة الإيرانية التي اعتقلت مؤخرًا لاحتجاجها على النظام الديني. وأضاف: “فجر” تمثل النساء من حيث الشجاعة والتساؤل والهشاشة. هي امرأة ممزقة بين الحياة والموت، بين الأمومة ورغبتها في حماية ابنتها من مستقبل قاسٍ”. تستعرض الرواية جوانب أخرى من المعاناة النسائية، حيث تتناول فكرة “النساء الحارسات” اللواتي يدافعن عن السجن المفروض على جنسهن كنوع من التكيف مع الظروف. ويشرح داود: “بعضهن، بدافع الضعف أو الخوف، يرين أن أفضل طريقة للتأقلم مع السجن هي أن يصبحن حارسات له. في مواجهة الشمولية الدينية، تكون النساء أولى الضحايا، ومع ذلك نجدهن أحيانًا يساهمن في تكريس هذا الوضع”.
يختتم داود حديثه عن الرواية قائلاً إنها ليست مجرد عمل لنقل الرسائل، بل هي عمل عن العلاقة بين الأجيال. يتساءل داود عما إذا كان المجتمع العربي يسعى لأن يكون أجداده أم يفضل العيش في عبادة الأسلاف. ويشير إلى أهمية ترتيب الأولويات وتقديم الأجيال القادمة: “أطفالنا هم الأهم، ويوم نفهم ذلك، سنكون قد بدأنا حقًا في استيعاب معنى الحياة والعيش في هذا العالم”.