الدبلوماسية الثقافية المغربية: نموذج ناجح للقوة الناعمة.
بقلم : أ. حذامي محجوب
تُعدُّ الدبلوماسية الثقافية اليوم إحدى أبرز أدوات التواصل والتفاهم بين الشعوب، حيث تتجاوز حدود الكلمات لتتعمق في نفوس الناس، تفتح آفاقًا جديدة للتفاعل والتقارب. تزايد الاهتمام بهذا المجال من الدبلوماسية مع بروز مفهوم “القوة الناعمة” الذي أشار إليه جوزيف ناي في التسعينيات، حيث تقوم على الجذب الثقافي والفكري بدلاً من النفوذ العسكري أو الاقتصادي.
تستند القوة الناعمة إلى عناصر متنوعة، تشمل الفنون، والأدب، والقيم الروحية والأخلاقية، لتصبح مرآة تعكس جماليات الشعوب وثقافاتها.
يُعتبر المغرب مثالاً متقدّما زاهرًا من بين الدول التي اعتمدت على الدبلوماسية الثقافية، مستفيدًا من عمقه التاريخي وتنوعه الحضاري لتعزيز مكانته عالميا وخدمة قضاياه الوطنية، خاصة قضية الصحراء المغربية.
تعتمد الدبلوماسية الثقافية المغربية على مسارات متعددة تشمل الجهود الرسمية والمجتمعية، لتعزيز حضور الثقافة المغربية في المحافل العالمية.
تتألق الفعاليات الثقافية الدولية مثل مهرجان مراكش السينمائي، ومهرجان كناوة في الصويرة، ومهرجان الموسيقى الروحية في فاس، و تظاهرة اصيلة ومهرجان الموسيقى الأندلسية في تطوان، فتستقطب الزوار من شتى بقاع الأرض، وتبرز التنوع الغني الذي يتمتع به التراث المغربي.
هذه الفعاليات ليست مجرد تظاهرات او احتفالات فنية، بل تتحول إلى منصات للتبادل الثقافي والدبلوماسي، مما يسهم في تعزيز الوعي الدولي حول الثقافة المغربية، ويعكس صورة مشرقة عن البلاد .
إلى جانب الفنون والموسيقى، أضاء المغرب على مطبخه الشهير ولباسه التقليدي، مثل القفطان، في معارض وتظاهرات دولية. يحمل القفطان المغربي بألوانه الزاهية والجلابة رموزًا تعكس تاريخ البلاد العريق وتنوعها الثقافي، حيث تُنظم عروضا للأزياء التقليدية في مهرجانات دولية مثل اسبوع القفطان في مراكش الذي انتظم هذه السنة تحت شعار ” المغرب أرض القفطان “.
هذه العروض تسهم في جذب الانتباه العالمي إلى الثقافة المغربية وتعزز من سمعة المغرب كوجهة ثقافية وسياحية تسحر القلوب.
تُخصص لهذه الفعاليات الاعتمادات اللازمة، وتعمل الدبلوماسية وكل القوى في المغرب وخارجه على إنجاحها.
وقد ساهمت هذه المبادرات في رسم صورة إيجابية للمغرب كوجهة ثقافية وسياحية، وتقديم المطبخ المغربي، المعروف بنكهاته الفريدة وأطباقه الغنية، كجزء من التراث الثقافي المغربي الذي يستحق الاحتفاء به على المستوى العالمي.
تتواجد المؤسسات الثقافية المغربية في الخارج من خلال مكتبات السفارات والمراكز الثقافية، حيث تفتح نوافذ جديدة لتعريف الشعوب الأخرى بموروث المغرب وتاريخه العريق.
هذه المؤسسات تعزز الروابط الثقافية، وتساهم في تصحيح التصورات وتعزيز الحوار. لقد لعبت الدبلوماسية الثقافية المغربية دورًا حيويًا في دعم قضية الصحراء المغربية ، حيث أضفت بعدًا ثقافيًا على الجهود السياسية، وأسهمت في حشد التأييد الدولي وفتح القنصليات في مدينتي الداخلة والعيون، ونجحت في ترسيخ الهوية الثقافية في الأقاليم الجنوبية، مما يجسد عمق الانتماء الوطني.
تمتد الدبلوماسية الثقافية المغربية لتشمل إفريقيا أيضًا، حيث يعزز المغرب علاقاته مع الدول الإفريقية عبر الروابط الروحية والدينية التي تعود إلى قرون، ويتجلى ذلك من خلال التصوف المغربي الذي يمتد تأثيره إلى عدد من الدول الإفريقية.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب الجامعات المغربية دورًا فعالًا من خلال استقبال الطلاب الأفارقة وتطوير أبحاث مشتركة تعزز التفاهم وتوطد العلاقات الثقافية.
بهذا، يجسد المغرب نموذجًا متفرّدا رائعًا للدبلوماسية الثقافية، حيث نجح عبر استثمار تاريخه العريق و موارده الثقافية في بناء علاقات دولية مستدامة تؤكد على التراث والتنوع، في سياق عالمي متغير، مُضيئًا دروب التواصل بين الشعوب .