عواصم – انقرة : عرب 21 .
صباح يوم الاثنين، 21 أكتوبر، رحل فتح الله غولن، الزعيم الديني التركي والمنافس اللدود للرئيس رجب طيب أردوغان، عن عمر يناهز 83 عامًا في منفاه بولاية بنسلفانيا الأمريكية، حيث استقر منذ عام 1999 وحتى وفاته.
كان غولن شخصية معقدة ومؤثرة، يتمتع بتأثير واسع على الملايين من أتباعه حول العالم، ورغم رفضه المستمر للاتهامات، كانت تلاحقه شبهة تدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016.
تلك الاتهامات جعلت منه خصمًا لا يُغتفر لدى النظام التركي، الذي طالما سعى لطلب تسليمه دون جدوى.
توفي غولن بعيدًا عن وطنه، حيث كان من المستبعد أن يُدفن في مسقط رأسه بقرية باسنلر في منطقة أرضروم.
أنقرة لم تكتفِ باتهامه بالخيانة فحسب، بل اعتبرته زعيمًا لتنظيم إرهابي.
وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، عبّر بوضوح عن الموقف الرسمي حين قال: “ زعيم هذه المنظمة المظلمة مات، لكن حربنا ضد الإرهاب مستمرة ”.
ورغم هذا العداء المستمر في السنوات الأخيرة، كانت هناك فترة في تاريخ تركيا الحديث عندما كان غولن وأردوغان حليفين. خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شكلت حركة غولن ما يشبه العمود الفقري لحزب العدالة والتنمية، حيث ساهمت بخبراتها في تأمين السيطرة على مفاصل الدولة، بدءًا من القضاء والشرطة وحتى الإعلام. كان أردوغان بحاجة إلى دعم جماعة غولن، التي كانت معروفة باسم “الخدمة” (Hizmet) أو “الجماعة” (Cemaat)، لما تمتلكه من شبكة واسعة من المدارس والمراكز التعليمية التي كانت تجذب الآلاف من الشباب وتؤهلهم لمناصب مؤثرة في الدولة.
إلا أن التحالف بين الرجلين انهار مع مرور الوقت، لتصل الأزمة إلى ذروتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، والتي كانت بمثابة القطيعة النهائية.
ذلك الحدث الدامي، الذي أودى بحياة 252 شخصًا، فتح الباب أمام حملة تطهير واسعة النطاق شنتها حكومة أردوغان ضد أي شخص يرتبط بحركة غولن.
آلاف الأشخاص تم اعتقالهم، وفُصل عشرات الآلاف من وظائفهم الحكومية.
تركيا لم تتردد أيضًا في ملاحقة أتباع غولن خارج حدودها، فطالتهم الاعتقالات و الخطف في آسيا الوسطى، إفريقيا، وحتى أوروبا.
عاش غولن آخر سنواته في شبه عزلة في اقامته بولاية بنسلفانيا، بعيدًا عن بلاده التي اتهمته بمحاولة الإطاحة بحكومتها.
وعلى الرغم من هذه العزلة، ظلت تأثيرات حركته محسوسة في جميع أنحاء العالم. كان منزله وجهة للسياسيين، حيث زاره كبار المسؤولين الأتراك قبل انفجار الخلافات، بينهم وزراء ورجال أعمال.
حتى في عز صعوده، كان غولن شخصية مثيرة للجدل. فلسفته الروحية، التي تمزج بين التصوف والتعليم والحوار بين الثقافات، جذبت الكثيرين، لكنها أيضًا أثارت مخاوف البعض من تسلل حركته في أروقة السلطة.
اليوم، برحيله، تخسر تركيا والعالم الإسلامي شخصية مؤثرة، كانت يومًا ما رمزًا للروحانية والتعليم، قبل أن يتحول إلى رمز للصراع السياسي العنيف.