“نورا” .. نافذة على الإبداع والتمرد في أول فيلم سعودي يشارك بمهرجان “كان” .
بقلم – ا.حذامي محجوب
في إطار يمزج بين الجمال القاسي للصحراء وأصوات التمرد الخافتة التي تنبعث من حياة قروية مغلقة، يأتي فيلم “نورا”، أول فيلم روائي طويل للكاتب والمخرج السعودي توفيق الزايدي، ليأخذنا في رحلة سينمائية عميقة إلى تسعينيات القرن الماضي في المملكة العربية السعودية.
تم اختيار الفيلم للمشاركة في مهرجان كان السينمائي الدولي في ماي 2023 ضمن قسم “نظرة ما”، ليصبح أول فيلم سعودي يحظى بهذا التقدير.
خلفية الأحداث
تدور أحداث الفيلم في قرية صحراوية بعيدة حيث كان الفن والتمثيل في تلك الفترة من المحرمات، وخاصة في بيئة تقليدية ومحافظة. يعرض الفيلم حياة “نورا”، شابة تعيش في ظل مجتمع مغلق، تواقة للهروب من قيود الواقع التي تحاصرها.
يتم استضافتها من قبل عمها وزوجته بعد فقدان والديها، وتجد نفسها مرتبطة بوعد زواج من رجل لا تريده ولا ترى في الزواج ذاته ملاذًا لأي حياة ترغب فيها.
“نادر”، الذي يجسد دوره النجم الصاعد يعقوب الفرحان، هو معلم جديد يصل إلى القرية قادمًا من المدينة.
يحمل معه عادات مختلفة وأحلامًا كبيرة تتحدى القوالب التقليدية، من بينها تعليمه الأطفال في المدرسة واهتمامه بالفن ، مما يجعله مصدر إلهام لنورا.
التمرد والإبداع
يجمع نادر ونورا بينهما رابط غير عادي يتجسد في شغف مشترك بالفن، الذي يصبح ملاذًا من رتابة الحياة القروية.
نورا، التي تقضي وقتها في بقالة القرية الصغيرة، تكتشف العالم من خلال صور الموضة والمجلات التي تهرب من صرامة الحياة اليومية.
وعندما يرسم نادر صورة لأخيها الصغير كنوع من المكافأة، تطلب نورا بدورها أن يرسم لها لوحة خاصة.
من خلال هذا الطلب البسيط، تبدأ رحلة من التواصل الفني والعاطفي بين الشخصيتين، تثير في نفس نورا أحلامًا ورغبة في حياة خارج أسوار القرية.
المخرج توفيق الزايدي يقدم قرية تبدو وكأنها مكان يحاصر فيه الجميع بعضهم البعض؛ الجدران والمنازل المكعبة تراقب بعضها بحذر، كما يراقب المجتمع نورا ونادر بصمت، بينما تتصاعد التوترات في الخفاء. الأجواء الغربية للفيلم، المستوحاة من سينما الغرب الأمريكي، تعكس تحديات أعمق ترتبط بالصراع بين المحافظة والانفتاح، بين قيم الغرب ونساء يكتشفن قدرتهن على قيادة حياتهن بأنفسهن.
رؤية بصرية وتأملات موسيقية
من الناحية الفنية، يخلق الزايدي عالمًا بصريًا يعكس الجفاف والانعزال، حيث يتحول الغبار والسيارات العابرة إلى علامات على حركة الزمن والتغيير.
النساء والأطفال، الذين يمثلون ظلالاً عابرة في هذا المجتمع، يتحولون إلى مراقبين صامتين، بينما تصبح “النظرة الأنثوية” جزءًا من لغة الفيلم البصرية. ومع ذلك، يختار الزايدي تهدئة هذا الصراع بألوان دافئة وموسيقى ناعمة تُسكن من قلق نورا، مما قد يترك المشاهد متمنيًا لو دفع المخرج هذه المشاهد نحو المزيد من الجذرية.
فيلم عن الفن والتغيير
“نورا” ليس مجرد قصة حب أو تمرد، بل هو حكاية عن قوة الفن والإبداع في تغيير مسار الحياة.
نادر، الذي يشجع طلابه على الرسم من أعماقهم، يصبح رمزًا للتمرد الهادئ ضد القيم المتحجرة.
وبالنسبة لنورا، الفن هو بوابتها نحو الحرية واكتشاف الذات.
الفيلم يضم مجموعة من النجوم السعوديين البارزين، حيث يشارك في البطولة يعقوب الفرحان، المعروف بدوره في مسلسل “رشاش”، إلى جانب الوجوه السينمائية الجديدة ماريا بحراوي وعبد الله السدحان، المعروف بأدواره في “طاش ما طاش”.
أهمية فيلم “نورا”
“نورا” ليس فقط أول فيلم روائي طويل لتوفيق الزايدي، ولكنه أيضًا أول فيلم سعودي يتم تصويره بالكامل في منطقة العلا، ذات الجمال الطبيعي الخلاب والتراث التاريخي العريق. كما أن الفيلم حاز على جائزة سيناريو من مسابقة “ضوء للأفلام”، التي أطلقتها هيئة الأفلام السعودية لدعم الجيل القادم من صانعي الأفلام.
بفضل “نورا”، يفتح توفيق الزايدي بابًا جديدًا في السينما السعودية، يسرد حكايات لم تُحكَ من قبل عن فنون التمرد والإبداع، ويعكس من خلال عدسته صراعًا داخليًا عميقًا يجري في نفوس الشخصيات، وصراعًا آخر مع مجتمع يراقب بصمت ولكنه يخشى التغيير.
2 Comments
Good
What about consequence’s to Arabic states ?
it will be a subject of an upcoming article