38°C تونس
December 14, 2024
“الحجاب والتنوير”: رحلة نحو تحرير العقل والإنسانية…!
أراء وأفكار

“الحجاب والتنوير”: رحلة نحو تحرير العقل والإنسانية…!

أكتوبر 13, 2024


بقلم د.حسن حماد

يُعتبر التنوير عملية إبداعية وثقافية مستمرة تتجاوز حدود الزمان والمكان، فهو يرتبط بالواقع الحضاري للإنسان وقدرته على تحسين وضعه في الكون. ورغم أن تاريخ التنوير يرتبط بمفكرين أوروبيين بارزين مثل جان جاك روسو، ودينيس ديدرو، وفولتير، وهلفشيوس، وبارون ديدرو، إلا أن هذا الإرث لا يُعتبر ملكية خاصة للأوروبيين. بل يُعد مشروعًا إنسانيًا يهدف إلى تحرير الإنسان من القوى السياسية والاقتصادية والدينية التي تحد من حريته وحقه في العيش الكريم.

التنوير، الذي يعكس النور مقابل الظلام، يمثل انتقالًا من العصر الوسيط، الذي اتسم بالسيطرة اللاهوتية، إلى عصر يُعلي من شأن العقل والإنسان. كما يعرّف الفيلسوف إيمانويل كانط التنوير بأنه “الجرأة على استخدام العقول بلا حدود”. تعتبر القاعدة التي تدعو إلى التفكير الذاتي هي أساس كل تنوير حقيقي، حيث يصبح العقل الحاكم في جميع جوانب الحياة دون استثناء بما في ذلك الأخلاق والدين.

لا يقتصر اهتمام التنوير على العقل فحسب، بل يمتد أيضًا إلى المشاعر والعواطف والجسد. فقد ربط بعض المفكرين بين التحرر من القيود الجسدية والنزوع نحو التنوير. وفي المجتمعات التي تعاني من قيود ثقافية، يصبح التحرر من الحجاب رمزًا للعالم الجديد، بينما يُعتبر إخفاء الجسد رمزًا للعالم القديم.
ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن التنوير يُعتبر تحررًا فكريًا، ووسيلة لانعتاق العقل من الأفكار الموروثة. كما أن مسألة ربط التنوير بالعري والسفور للنساء تُعد جانبًا ثانويًا، خاصة في المجتمعات العربية المسلمة، حيث تعاني المرأة من اغتراب عن ذاتها، إذ يُعتبر جسدها ملكية خاصة للرجل.

تساهم الثقافة الذكورية في هذا الاغتراب، مما يؤدي إلى مراقبة المجتمع للجوانب الجسدية والجنسية للمرأة، مما ينفي فرديتها وذاتها. ولكن على الرغم من هذه السيطرة، فإن المرأة المسلمة لم تفقد حريتها الفكرية، إذ ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في توعية العديد منهن، لرفض القيود المفروضة عليهن.

تُظهر التجارب أن العديد من النساء المحجبات قد يكون لديهن وعي أكبر من غير المحجبات، حيث تتخذ بعض الفتيات العري شكل احتجاج على المجتمعات الذكورية، لكن تظل عقولهن متمسكة بقيم مجتمعية تقليدية.

لذا، يجب أن نتذكر أن المظهر الخارجي لا يعكس بالضرورة العقل أو الفكر. الأهم هو “حجاب العقل” الذي يحجب المعرفة والرغبة في التحرر. إن الانشغال بالمظاهر لا ينبغي أن يعيق سعي المرأة نحو المعرفة والحرية، بل يجب أن تكون محور كل تنوير حقيقي.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *