“الصين في ذكراها 75 : بين الإنجازات العظيمة والقلق المستمر…! “
عواصم – بيكين – عرب 21 : ا . حذامي محجوب .
تحتفل جمهورية الصين الشعبية غدا، الثلاثاء 1 أكتوبر، بذكرى مرور 75 عامًا على تأسيسها في ظل مناخ عالمي متناحر وأوضاع داخلية متناقضة .
الحكومة الصينية، من جانبها، تحتفل بنجاحاتها المتعددة في مجالات مختلفة، وهي نجاحات يقر بها كل مواطن صيني منذ أن وضع الزعيم دينغ شياو بينغ في أواخر سبعينات القرن الماضي ، البلاد على طريق الإصلاحات الاقتصادية لتجاوز فوضى الحقبة “الماوية”. هذه النجاحات أصبحت جزءًا أساسيًا من العقد الاجتماعي بين السلطة والشعب، حيث يُتوقع من النظام تحقيق نتائج مستمرة، تمامًا كما يسير المدير التنفيذي شركة متعددة الجنسيات يتابعه مالكي اسهمها .
ولا يمر شهر إلا ويقع انجاز مشروع ضخم ،وافتتاح محطة قطار سريع جديدة في منطقة نائية، مع الاشارة إلى أن الصين تمتلك شبكة قطارات عالية السرعة أطول من جميع الشبكات في العالم مجتمعة.
كما أن لديها ثلاث حاملات طائرات، وهي بصدد بناء اخرى وسترسل روادا للفضاء تحديدا إلى القمر بحلول عام 2030.
ورغم التلوث الذي تعاني منه، فإن الصين أظهرت تفوقًا في مجالات الطاقة، من البطاريات إلى الألواح الشمسية، وتبذل جهودًا كبيرة لتحقيق الاستقلالية في مجالات استراتيجية مثل الرقائق الإلكترونية.
وفقًا للاعتراف الرسمي من الحكومة الأمريكية، تعد الصين الدولة الوحيدة التي تمتلك القدرة والمشروع لمنافسة القوى العظمى في العالم.
ولكن هذه النجاحات، عندما تُتابع من الخارج، تثير مشاعر الإعجاب وحتى الانبهار لدى كل مواطني العالم لا سيما عند الشعوب التي لا تحقق فيها دولها اي منجز ٍ حتى صيانة ما هو موجود غير متوفر ،دول تعجز عن بناء مدرسة او طريق .
لكن في المقابل يعاني المجتمع الصيني نفسه من فقدان الثقة في المستقبل.
شعب يدهش العالم بابتسامته لكن قلبه يئن من ألم الصمت .
يشعر الكثيرون بأن المستقبل، بالنسبة للجيل الجديد، قد لا يكون أفضل من الجيل السابق.
اذ بلغ معدل البطالة بين الشباب 18.8% في أغسطس، وهو أعلى مستوى له منذ أن تم وقف نشر الإحصاءات في صيف 2023. وتجاوزت البطالة 21% ثم عادت لتتراجع بعد ستة أشهر بنسخة أكثر تفاؤلاً.
هناك العديد من الصينيين الذين يهاجرون، في محاولة للبحث عن فرص أفضل،
اصبح الصينيون الجنسية الرابعة التي تعبر من خلال أدغال غابة دارين الوعرة بين كولومبيا وبنما في محاولة للهجرة إلى الولايات المتحدة ، وحتى الأثرياء يتركون بلادهم للاستقرار والعيش في طوكيو او سنغافورة.
التغيير في الأجواء الصينية يمكن تفسيره من خلال ثلاث مراحل أساسية.
المرحلة الأولى تبدأ في عام 2018. بعد ست سنوات في السلطة، تمكن خلالها الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، شي جين بينغ، من وضع رجاله في قمة الدولة من خلال عمليات تصفية ومحاربة الفساد.
نجح في رفع الحد المسموح به لفترتين رئاسيتين، وهو ما كان يُعتبر صمام أمان لضمان استقرار البلاد ومنع العودة إلى سلطة غير عقلانية. هذا التغيير يعكس طموحه الشخصي في البقاء في السلطة وفلسفته السياسية التي تعتبر أن نهاية فترة هو جين تاو، والتي كانت خلالها الفصائل تتقاسم السياسة والاقتصاد، قد انتهت.
يرى شي جين بينغ أن رفع القيود سيكون تهديدًا لاستقرار البلاد، لذلك منذ اثني عشر عامًا يعمل على تعزيز سيطرة الحزب الشيوعي على المجتمع، ما أدى إلى تقليص الهوامش ليس فقط للمعارضين ولكن أيضًا للفنانين، والطلاب، والأقليات الجنسية.
يعيش المسؤولون والأوساط التجارية في حالة من القلق بسبب المتابعات و التحقيقات الحكومية المستمرة.
المرحلة الثانية تبدأ من نهاية 2019 حتى نهاية 2022. خلال هذه الفترة، كانت سياسة صفر كوفيد التي تبنتها بكين تحظى بإشادة واسعة من الرأي العام الصيني، وكانت الحدود مغلقة وتُفرض رقابة صارمة على الحياة اليومية.
لكن بعد فشل النظام في إعادة فتح البلاد، كشفت الإغلاقات القاسية، خصوصًا في شنغهاي، أن المسؤولين الذين كانوا يُعتبرون عمليين قد أصبحوا غير قادرين على تطبيق سياسة ناجعة. وما زالت أكبر مدينة في الصين تعاني من صدمة تلك الإغلاقات.
-أما المرحلة الثالثة فهي ماتزال مستمرة حتى اليوم.
منذ عام 2020، يعمل الحزب الشيوعي الصيني على خفض أسعار العقارات التي كانت تتزايد بشكل مستمر، ما أدى إلى حالة من عدم الرضا الشعبي. ولكن العلاج كان أكثر إيلامًا من المرض نفسه، فقد فرضت الحكومة “خطوطًا حمراء” على ديون مطوري العقارات، ما أدى إلى إفلاس بعض الشركات الكبرى مثل ” إيفرجراند ” ، التي كانت تمارس التلاعب المحاسبي على نطاق واسع.
الأزمة التي بدأت منذ أربع سنوات ما زالت دون حل ، لان معظم المدخرات الصينية قد اودعت في قطاع العقارات.
هذا التغير في الأجواء الصينية يعكس شعورًا متزايدًا بترقب امل بمستقبل إيجابي لا يأتي. وتظهر شعارات الحزب الشيوعي الصيني هذا التغيير في العصر، حيث حل “العصر الجديد”، الذي يعكس السلطة الفردية، محل “الحلم الصيني” الذي كان يعد الجميع بالازدهار والقوة، وكان معروضًا في كل مكان في بداية فترة حكم شي جين بينغ.
يقول المثل الصيني : ” الماء الهادئ يخبئ أعماق عميقة ” .
ا