إيران و التصعيد: عقل سياسي يتحكم في قرار الحرب…!
بقلم : ا. حذامي محجوب
منذ تصعيد الحرب في غزة، وتوالي الهجمات على لبنان، يلاحظ العالم خطابًا تصعيديا شديد اللهجة من قبل القيادة الإيرانية، في وقت تُظهر فيه إيران سلوكًا متزنا معتدلًا ، تبتعد عن أي استفزاز أو وعيد قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة.
هذه المفارقة جعلت العديد من الخبراء يشككون في قدرات إيران الدفاعية والبالستية. إيران، التي أظهرت في السنوات الأخيرة رغبتها في “تحسين” علاقاتها مع الغرب لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، تركز اساسا على الملف النووي بشكل رئيسي.
تبدي استعدادًا للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعود إلى المفاوضات مع الغرب بشأن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي أبطله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
هذه السياسات تحظى بتأييد من قبل المرشد علي خامنئي الذي صرح بانه “لا يرفض التفاوض مع العدو”، وهو ما يعكس كذلك بداية عهد جديد من حكم الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان و عودة بعض الإصلاحيين معه إلى الحكم، كعباس عراقجي وزير الخارجية، ليتم اعطاء أهمية اكبر للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
إيران، على الرغم من امتلاكها صواريخ قادرة على ضرب المواقع الإسرائيلية، تدرك أن تدخلها المباشر في دعم حزب الله من خلال استهداف إسرائيل بالصواريخ قد يؤدي إلى حرب مفتوحة لا مع إسرائيل فقط بل كذلك مع الولايات المتحدة.
يأتي هذا في وقت عززت فيه الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة بعد هجوم السابع من أكتوبر، ما يزيد من احتمال تدخلها لحماية إسرائيل.
من هنا، تبدو تصريحات المسؤولين الإيرانيين واضحة، إذ يؤكدون أن إيران لن تُجر إلى الحرب.
بعض الخبراء يرون أن رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي استفزاز إيران للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ، وهو ما يسعى من خلاله لتحفيز تدخل أمريكي سريع. العقل السياسي الإيراني يخشى أن يؤدي فتح جبهة القتال إلى استهداف منشآتها النووية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تستعدان لجميع الخيارات لمنع إيران من تطوير السلاح النووي .
إيران، التي تسعى لتطوير برنامجها النووي من خلال عمليات التخصيب المتقدمة، تدرك أن حربًا مفتوحة مع الولايات المتحدة ستؤدي إلى تأخيرات قد تصل إلى عقود في برنامجها النووي، ما يعود عليها بعواقب اقتصادية وسياسية وخيمة. ولذلك، ترد إيران على تلك التهديدات من خلال أذرعها العسكرية، مثل الحوثيين في اليمن، عبر هجمات مباغتة وغير متواصلة.
لهذا تحجم إيران أيضًا عن الدخول في حرب مفتوحة خشية أن تؤثر هذه الحرب سلبًا على الانتخابات الأمريكية، وتزيد من فرص الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الفوز.
هناك تقارير صحفية تشير إلى مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن، حيث تسعى إيران لتحقيق “تسوية” مع الغرب قبل الانتخابات الأمريكية. إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن أي فرصة للتوصل إلى اتفاق قد تتلاشى وتزداد الضغوطات والتضييقات عليها .
اتبعت إيران سياسة ضبط النفس حتى في حالات التوتر العالي، كما حدث بعد اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها، رغم انها اعتبرته انتهاكا صريحا لسيادتها.
الرئيس الإيراني بزشكيان برر ذلك في نيويورك ببيان قال فيه إن بلاده امتنعت عن الرد ، خشية من إحباط الجهود الأمريكية للوصول إلى وقف إطلاق النار في غزة.
كل هذه العوامل تشير إلى أن إيران تتجنب الانفعال. وتظهر رصانة واضحة، خاصة في ظل وعد الرئيس بزشكيان بتحسين مستوى حياة المواطنين الإيرانيين، وهو ما يجعل أي حرب في المنطقة تحمل تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة على الشعب الإيراني.
النظام الإيراني الذي استمر لأكثر من أربعة عقود يدرك أن إقحام الشعب في حرب استنزاف قد يؤدي إلى موجة احتجاجات واسعة دفاعًا عن حقوقه في الأمن والتنمية وتقرير المصير .
الا يقال ان الفرس يتصرفون في السياسة كلعبة الشطرنج shatrang التي اخترعوها وابدعوا فيها وهذا يعني أن السياسة الإيرانية تتميز بالتخطيط الاستراتيجي المعقد والتحركات المدروسة بعناية، تمامًا مثلما في لعبة الملوك .
كل حركة تُفكر بعناية وتستهدف تحقيق أهداف معينة على المدى الطويل، وتقدير ردود الفعل المحتملة من الخصم. بالمثل، في السياسة الإيرانية، يتسم التصرف بالمرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات، بحيث تكون هناك تحركات متقنة تهدف إلى تعزيز النفوذ، وتحقيق مصالح استراتيجية، والتعامل مع التهديدات بشكل مدروس.
يقول المثل الفارسي : ” الشجاعةُ بلا حذرٍ حصان أعمى ” .