عوالم … الذكاء الاصطناعي !..
ابو بكر الصغير
لم تجد موظفة بلدية القيروان مبرّرا لكلمتها البذيئة الاّ اتهام ” الذكاء الاصطناعي ” بتحريف اقوالها !.
لن تجد هذه الموظفة نقابة قوية تدافع عنها .. فزمن دفاع النقابات عن منضويهم ظالمين او مظلومين ولّى و انتهى .
عندما قلت في حصّة حوار مفتوح على اذاعة ” راديو ماد ” في ذلك البرنامج المتميّز للصديق لطفي العماري ” صحافة الاحد ” بنهاية الاتحاد العام التونسي للشغل كمنظمة وازنة مؤثرة في مجريات الشان الوطني ، ردّ نافيا ذلك مدافعا بقوة عن منظمتنا الشغيلة .
مستجدّات المجلس الوطني الاخير للاتحاد مؤشّر خطير منذر بهذا ” السقوط الكبير ” الذي تعيشه المنظمة و تفويتها فرصا تاريخية مهمة .
لهذا فهي اليوم في لحظة فارقة في كلّ مسيرتها ، فهي اولا و على غرار بقية كلّ القوى السياسية و الاجتماعية ” صدمت ” بتغيير 25 جويلية 2021 و الاهم تقدير الموقف الجديد للسلطات لها و لادوارها ، و ثانيا عجزها عن استيعاب هذه التطورات التي تعيشها تونس على مدى العامين الماضيين و غياب لدى القيادة الرّؤية الواضحة و الموقف الثابت في التعاطي من المسالة الوطنية .
كما انّ تفشي الفساد و صراعات الاجنحة و الشقوق و المصالح و عدم احترام المؤسسات زاد في تازيم الوضع الداخلي للاتحاد .
بنفس الحالة ، تجد المنظمة نفسها عاجزة كذلك عن استيعاب هذه التحولات العالمية و التي قد يكون لها ابلغ الاثر على مصيرها بشكل خاص و مصير النضال المطلبي النقابي بشكل عام .
نحن نعيش زمن الحضارة الخامسة ، حضارة الذكاء الاصطناعي ، هذه التكنولوجيا الجديدة التي تنطوي على حل العلاقة بين الحكم البشري والعمليات التحليلية، تتعارض بشكل أساسي مع مشروع تمكين البشر من العمال ؟ .
بما يتّجه معه السّؤال : هل يمكن إعادة النظر في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها في مجال خدمات العمال وإعادة تصميمها كأدوات للتضامن والنشاط؟ .
لا يختلف اثنان انّ على النقابات ان تراجع الكثير من طبيعة مهامها و ادوارها و ان تفكر في وضعها مع استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز حضورها و قوتها ، و هذا يتطلّب تفكيرا و رؤية و قبل ذلك عقلا خلاّقا مبدعا .
عرف العالم خلال الفترة الاخيرة تجارب مثيرة جدا لهيكلين نقابيين عالميين هما : المنظمة النقابية المتحدة من أجل الاحترام (OUR) في الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد العمالي المتحد (UWU) في أستراليا، منظمتان اعتمدتا جهاز روبوت الدردشة الاصطناعي في مهامهما النقابية .
تم تطوير تطبيق WorkIt لأول مرة من قبل منظمة ( OUR ) الامريكية لتنظيم قواعد القوى العاملة ، و هي تضم أكثر من مليون عامل دون الدعم المؤسسي المباشر من مسؤولي نقابة رسمية ودون الحق في دخول الشركة او التدخل في اعمالها .
كما تم تطويره لاحقًا بواسطة منظمة ( UWU ) في أستراليا في عديد فضاءات العمل من مساحات كبرى و دور الرعاية الاجتماعية و قطاعات السياحة و الترفيه . باستخدام قدرات التعرف على اللغة الطبيعية ، قدم برنامج الدردشة الآلي ردودا حينية تلقائية على الأسئلة التي طرحها العمال حول مشاكلهم في العمل و حقوقهم من خلال أجهزتهم المحمولة .
تمت إعادة توجيه الأسئلة التي لم يتمكن روبوت الدردشة من الإجابة عليها بمستوى مقبول من اليقين إلى مستجيب بشري تغذي إجاباته عقل روبوت الدردشة لزيادة قدرته على الإجابة تلقائيًا على أسئلة مماثلة في المستقبل.
النتيجة ما لوحظ على نطاق واسع من قدرة الذكاء الاصطناعي على تقويض قوة العمال بالتالي دور النقابات من خلال المراقبة والإدارة الخوارزمية وإلغاء المهارات والاستبدال.
بما يتّجه معه ان الذكاء الاصطناعي سيكون اكبر عدو للنقابات . ، و هو غير متوافق جوهريًا مع مشروع تعزيز قوة العمال بالرغم ان له فوائد محتملة، فقط إذا كانت النقابات مستعدة لإعادة التفكير عمدًا في هذه التكنولوجيا .
التقدم مستحيل بدون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء.
بالتالي على المرء ان يغيّر منظوره للحياة، وقتها ستتغير الحياة نفسها .