الإيمان ومقاومة السحر والشعوذة: مدخل لتعزيز الوعي الديني في المغرب
بقلم د.خالد التوزاني
باحث في الحقل الديني ، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي ، مساق
مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، يشهد المغرب تزايدًا في بعض السلوكيات المرتبطة بالسحر والشعوذة، التي يلجأ إليها البعض لأغراض مثل إزالة السحر أو طرد النحس أو الإسراع في الزواج والإنجاب .
تعد هذه الطقوس المرتبطة بالسحر والشعوذة من بقايا المعتقدات القديمة المرتبطة بالخرافة في المغرب، بعضها يرجع لحقبة ما قبل الإسلام، والملاحظ أن هذه الطقوس قد بدأت في التراجع خلال العقود الأخيرة بسبب تزايد الوعي وارتفاع نسبة التعليم في صفوف المغاربة، ومع عناية الدولة بالشأن الديني من حيث التأطير والإرشاد، والحضور في الإعلام، وبذلك انقرضت الكثير من المعتقدات القديمة. ومع ذلك هناك فئة من المغاربة بقيت تميل إلى بعض الطقوس، وخاصة لحل مشكلات عجز العلم عن إيجاد حلول لها، مثل بعض الأمراض المزمنة والخطيرة، وبعض الأمراض النفسية، حيث يحاول أصحابها تجربة حلول سحرية ومعتقدات غريبة.
لكن ما يزيد هذه الظاهرة انتشاراً، هو وجود فئة من الذين يستغلون ضعف هذه الفئة الاجتماعية وحاجتها للعلاج وإيجاد حلول لمشاكلها، فيستغلون مواقع التواصل الاجتماعي في التعريف بخدماتهم وقدراتهم الخارقة في حل كل المشاكل وعلاج جميع الأمراض، ويستدرجون ضحاياهم بطرق إغراء كثيرة وحيل مختلفة تستغل بعض المناسبات الدينية في تقوية حضورها في المشهد العام وخاصة ليلة القدر في رمضان وعيدي الفطر والأضحى، ثم كذلك عيد المولد النبوي، كما تنتشر في أماكن معينة مثل بعض الأضرحة والزوايا والساحات والأحياء الشعبية والمدن العتيقة وفي بعض القرى النائية، لأنها تستهدف شريحة اجتماعية لا تملك القدرات المادية لإيجاد حلول واقعية لمشاكلها ولا تجد الإمكانات المادية للعلاج ومتابعته، فتكون بذلك ضحية هذه الممارسات التي لا تنسجم مع العقيدة الإسلامية للمغاربة، أي العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني.
وبالمقابل لا بد من الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من خلال مجالسها العلمية المنتشرة في جميع ربوع المملكة من أجل توجيه الناس إلى السبل الشرعية في التعامل مع المشاكل والظروف والأزمات عبر الالتجاء إلى الله بالدعاء وتفريج الكربات، وهو ما تركز عليه مناسبة المولد النبوي الشريف في المغرب، حيث الإكثار من قراءة قصائد المديح النبوي التي تعد تفريجاً للأزمات وتثبيتاً للقلوب وربطها بالنموذج النبوي في هديه وسيرته، ما يجعل الإيمان قوياً ويفتح باباً لتزكية النفوس، خاصة وأن عيد المولد النبوي في المغرب يعد أحد أبرز المناسبات الدينية التي يستغلها المغاربة في إحياء الفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم والتعبير عن محبته وإحياء سنته وقراءة سيرته والاقتداء بسلوكه، إلى جانب الإبداع في قصائد المديح النبوي، ولذلك فإن طقوس السحر والشعوذة تمثل نشازاً عند المغاربة واستثناءً محدوداً وضيقاً، ولا تعبر عن هويتهم وعاداتهم الأصيلة والمنسجمة مع الشريعة الإسلامية السمحة والمنهج الوسطي التي اختاره المغاربة، وإنما هي طقوس يقوم بعض الانتهازيين بإحيائها لتحقيق أرباح مادية على حساب عقيدة المغاربة واستغلال حاجتهم، الشيء الذي يفرض ضرورة تكثيف حملات المراقبة التي تقوم بها السلطات المحلية، لمحاربة هذه الظواهر التي تمس العقيدة وتضر بالثوابت الدينية للمملكة.
وجدير بالذكر أن المغاربة من أكثر الشعوب تشبثاً بعقيدتهم الإسلامية وبحفظ القرآن وكتابة السنة، والاقتداء بالرسول، وهذه الصورة المشرفة للمغرب، هناك اليوم من يُحاول الإساءة إليها بترويج الشائعات والمبالغة في تصوير بعض المظاهر السلبية الاستثنائية على أنها القاعدة، في حين الغالبية العظمى من المغاربة مؤمنون بالغيب باعتباره أحد أركان الإيمان، وعادة ما يستنكرون أعمال السحر والشعوذة، غير أن ما جعل هذه الظواهر تطفو على السطح مؤخراً هو هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي وسرعة تبادل الأخبار والمعلومات، وتحديداً تلك المرتبطة بالترويج لهذه الممارسات والتسويق لها.