38°C تونس
December 8, 2024
ضحايا الهجرة الصامتات: واقع مرير لنساء المهاجرين العرب بين الصبر والمعاناة .
منوعات

ضحايا الهجرة الصامتات: واقع مرير لنساء المهاجرين العرب بين الصبر والمعاناة .

أغسطس 19, 2024

بقلم : د. دوللي الصراف حنا
لبنان /

كشفت دراسة حديثة أجرتها منظمة المرأة العربية بالتعاون مع الجمعية العربية لعلم الاجتماع عن معاناة النساء العربيات اللاتي يتركن وراءهن بعد هجرة أزواجهن إلى الخارج. الدراسة التي حملت عنوان “ضحايا غير مرئيات: نساء المهاجرين المتروكات وراءهم”، تناولت خمس دول عربية هي مصر، لبنان، تونس، الجزائر، والمغرب، وسلطت الضوء على الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي لهؤلاء النساء، اللواتي تحولن إلى ضحايا صامتات يعانين من أعباء الحياة في ظل غياب الزوج.
الهجرة للعمل أو لأي سبب آخر ليست ظاهرة جديدة في المجتمعات العربية، حيث يترك العديد من الرجال أسرهم بحثاً عن فرص أفضل.
إلا أن الزوجات اللواتي يُتركن وراءهم يواجهن وضعًا معقدًا وصعبًا، قلما يُسلط عليه الضوء. هؤلاء النساء يجدن أنفسهن مضطرات لتحمل مسؤوليات جديدة تضاف إلى أعبائهن اليومية المعتادة، مما يضعهن في مواجهة مع تحديات الحياة بمفردهن، وخاصة في غياب دعم عائلاتهن أو عائلات أزواجهن.
الدراسة أوضحت أن هؤلاء النساء يواجهن تحديات نفسية واجتماعية كبيرة، حيث تؤثر هجرة الأزواج بشكل مباشر على استقرارهن النفسي وسعادتهن وتوازنهن العام.
هذه التحديات تشمل الشعور بالوحدة، الضغط النفسي، والتعرض لمشكلات اقتصادية واجتماعية تضاعف من معاناتهن.
وعلى الرغم من محاولات بعضهن للتكيف مع الوضع الجديد، إلا أن العديد منهن يجدن أنفسهن يعانين بصمت، مما يؤثر سلباً على حياتهن وعلى تربية أبنائهن وعلاقاتهن الأسرية.
الدراسة لفتت أيضاً النظر إلى أن معظم الأبحاث السابقة حول الهجرة ركزت بشكل أساسي على المهاجرين أنفسهم، مسار هجرتهم، وأثرها الاقتصادي والاجتماعي على المجتمعات.
في المقابل، كانت الدراسات التي تناولت أثر هذه الهجرة على النساء المتروكات نادرة، مما يجعل معاناتهن موضوعًا مهملًا إلى حد كبير في الأبحاث العربية المعاصرة.
منهجية الدراسة ارتكزت على تحليل نوعي لمقابلات أُجريت مع عينة من زوجات المهاجرين في الدول الخمس المشمولة بالدراسة.
وقد تم اختيار هذه البلدان نظرًا لعلاقتها القديمة مع ظاهرة الهجرة، ورغبة في رصد الاختلافات والتشابهات في أوضاع النساء المتروكات في كل بلد.
الدراسة اعتمدت على مقاربتين أساسيتين: الأولى نفسية اجتماعية، لرصد الآثار النفسية والاجتماعية لهجرة الأزواج على الزوجات، والثانية جندرية، لتسليط الضوء على دور الجندر في تحديد وضعية المرأة داخل الأسرة والتغيرات التي تطرأ على أدوارها في ظل غياب الزوج.
النتائج التي توصلت إليها الدراسة كشفت عن واقع مرير تعيشه زوجات المهاجرين في الدول الخمس.
حيث أشارت إلى أن هؤلاء النساء يعانين من مشكلات نفسية عميقة، بما في ذلك الشعور بالحزن والغضب والصبر الممزوج بالألم، إلى جانب تعرضهن لضغوط اقتصادية واجتماعية تؤثر على مكانتهن داخل الأسرة والمجتمع. كما أوضحت الدراسة أن غياب الزوج يزيد من حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الزوجة، مما يجعلها تتحمل أدوارًا جديدة تتجاوز الأدوار التقليدية التي حددتها الثقافة والأعراف الاجتماعية.
الدراسة دعت كذلك إلى ضرورة توجيه الاهتمام نحو تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء النساء، لتعزيز قدرتهن على التكيف مع الأوضاع الصعبة وتخفيف الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعانين منها.
كما شددت على أهمية إعادة النظر في السياسات الاجتماعية في الدول العربية، لضمان توفير الدعم اللازم لهؤلاء النساء ولعائلاتهن، وتبني استراتيجيات فعالة للتصدي للثقافة الذكورية والتنميط الجندري الذي يعمق من معاناتهن.
وبالرغم من أن الدراسة تناولت عينة محدودة من النساء، إلا أنها تكشف عن واقع معاناة فئة واسعة من النساء العربيات اللاتي تشاركن نفس الظروف. هذه الدراسة تفتح الباب أمام ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث المعمقة لفهم تحديات النساء المتروكات بشكل أفضل، وتطوير سياسات داعمة تساعدهن على مواجهة تحديات الحياة بكرامة واستقرار.
باختصار، تُظهر هذه الدراسة أن نساء المهاجرين العرب يتحملن أعباءً هائلة في غياب أزواجهن، ويواجهن تحديات نفسية واجتماعية واقتصادية صعبة تجعل منهن ضحايا غير مرئيات، يحتجن إلى دعم مجتمعي ونفسي مستمر. هذه النتائج تدعو إلى ضرورة التدخل العاجل لتوفير الدعم اللازم لهن، وضمان استقرارهن النفسي والاجتماعي في ظل الأوضاع التي فرضتها عليهن الهجرة.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *