“صراع القيم: عندما تختلط السياسة بالإنسانية في أتون الحروب”
بقلم : دريد عوده .
ليس هناك شرخٌ سياسي فقط في لبنان والمنطقة والعالم، بل شرخ في القيم أيضًا. فإذا أدنت العدوان على الضاحية، فأنت حكمًا مع حزب الله! .
وإذا أدنت الإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين في غزة، فأنت حكمًا مع حماس! تسقط عند أصحاب هذه “الإدانات” السياسية جميع القيم الإنسانية والمعايير الأخلاقية المدنية.
بالنسبة لهؤلاء، الضحايا المدنيون هم “أضرار جانبية” (collateral damage): 40 ألف قتيل في غزة، معظمهم من المدنيين، بينهم أطفال ونساء وعجّز . والأمر الأسوأ هو أن هؤلاء يغرسون رؤوسهم في الرمل ويغضّون الطرف عن المجازر المرتكبة بحق المدنيين، كأنها لم تحصل إذا أشاحوا بأنظارهم بعيدًا. والأدهى من ذلك أنهم يحمّلون الضحية مسؤولية ضحاياه!
الرجوع إلى أساس المشكلة هو ما يعيد تصويب بوصلة القيم والسياسة: شعب احتُلّت أرضه، نُكِّل به، وطُرِد من بلاده. وأعقب ذلك احتلالات في لبنان وسوريا والأردن ومصر باسم تحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”… هذا لب المشكلة وجوهر الصراع، والباقي تفاصيل.
يقول البعض: “حسنًا، لكن احتلال فلسطين حصل قبل 75 سنة!” كأن احتلال بيتك له انتهاء صلاحية (expiry date). ويقول البعض الآخر: “هذه أرض الميعاد وعد الله بها اليهود منذ 3000 سنة!” إذا كنت تفكر هكذا، فإن لديك خللًا في تصنيعك (défaut de fabrication)، خللًا في تركيبتك الجينية والعقلية، يعني معاق. فهل رب الأكوان، خالق مليارات المجرات، يعد شعبًا بقطعة أرض لا تساوي ذرة غبار في الكون؟!.
ولم يتوقف الأمر هنا: لم يبقَ للفلسطينيين إلا 3% من بلادهم ليقيموا عليها شبه وطن، وهذه الـ3% تنهشها المستوطنات من كل جانب!.
عندما تجعل الحق، ضميرك الإنساني، دينك، المعيار الأوحد، عندئذٍ لا تشطّ عن الحقيقة: عندئذٍ تضع السياسة في ميزان القيم، وليس العكس.
يعني بالعربي الفصيح: إذا كنت مسلمًا أو مسيحيًا أو بوذيًا أو هندوسيًا… ولا تُدين الإبادة، لا بل المحرقة الجماعية، فلا أنت مسلمًا ولا مسيحيًا ولا بوذيًا ولا هندوسيًا،