المساجد: ….أدوات السلطة والسياسة في المغرب العربي…!
بقلم – أ. حذامي محجوب: رئيس تحرير
المساجد أماكن مقدّسة لها خصوصيتها ولها حرمتها، فهي بيوت للذكر والصلاة.
وهي البوتقة التي تنصهر فيها قلوب المؤمنين وأرواحهم، وتتلاشى وتمحي المسافات والأبعاد بينهم، فتتحقق معاني المواساة والعدالة والأخوة والتآلف.
في بعض دول المغرب العربي، أصبحت المساجد الضخمة ليست فقط أماكن للعبادة، بل أدوات استراتيجية للديبلوماسية الداخلية والخارجية.
في صباح فيفري 2024، افتتح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الجامع الكبير بالجزائر وسط أجواء احتفالية، مشيراً إلى الأهمية الدينية والحضارية والسياسية لهذا المشروع العملاق الذي بات يُعرف بجامع عبد العزيز بوتفليقة، في إشارة إلى الرئيس الجزائري السابق.
هذا المسجد الضخم هو الأكبر في إفريقيا والثالث عالمياً، بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف في السعودية.
بارتفاع مئذنة يصل إلى 265 متراً، يطل الجامع الكبير على العاصمة الجزائرية بفضل استثمارات بلغت 958 مليون دولار.
يعكس هذا الانجاز في الجزائر طموح القادة السياسيين إلى ترك بصمة بارزة في تاريخ البلاد، وتوظيف عامل الدين كوسيلة لتعزيز السلطة والنفوذ.
في المغرب، للمسجد رسالة دينية وحضارية في سياق ديبلوماسية دور العبادة كوسيلة لتعزيز الحضور الثقافي والديني في مختلف مناطق قارتنا إفريقيا.
يشمل ذلك بناء المساجد ومعاهد لتكوين الأئمة، مثل معهد محمد السادس، الذي يستقبل طلاباً من مختلف البلدان الأفريقية، ويعمل على نشر إسلام معتدل.
كما يتمتع هذا المعهد بقدرة استيعابية تتراوح بين 700 و1000 طالب سنويًا، وهو ما يعزز روابط الأخوة بين بلد شقيق مثل المغرب وشركائه الأفارقة.
في رمضان 2024، افتتح المغرب مسجدين جديدين، أحدهما في كوناكري والآخر في أبيدجان، مما يعزز الروابط الثقافية والدينية بين شمال وغرب إفريقيا.
يضم المجمع الجديد في كوناكري مرافق متنوعة، بما في ذلك مركز تجاري ومكتبة، مزخرفة بأعمال حرفية تقليدية رائعة تعكس عظمة الفن المعماري المغربي.
من الجانب الآخر، تركز الجزائر على استغلال المساجد والزوايا الصوفية لتعزيز الدعم الداخلي.
إذ تُعد الزوايا قوة مؤثرة في السياسة الداخلية الجزائرية، حيث يلجأ المرشحون للرئاسة إلى هذه الزوايا طلباً للدعم والتأييد.
ففي حملته الانتخابية عام 2019، زار الرئيس عبد المجيد تبون زاوية الشيخ بلكبير في أدرار، جنوب غرب البلاد، مما يعكس أهمية هذه المعالم والمؤسسات الدينية في المشهد السياسي الجزائري.
تستمر الزوايا الصوفية في الجزائر في لعب دور حيوي في المجتمع، حيث تمثل بوصلة أخلاقية للشعب وتستقبل الطلاب لدراسة الدين الإسلامي الحنيف، مما يسمح لها بالتأثير خارج الحدود الوطنية.
كما انَ تعيين الشيخ محمد مامون القاسمي الحسيني وهو احد علماء الدين الافذاذ على رأس الجامع الكبير بالجزائر يجسد الأهمية الروحية والسياسية لهذه الزوايا، حيث يتمتع هذا الشيخ بتأثير كبير في المجتمع الجزائري.
تستخدم دول المغرب العربي هذه المؤسسات الدينية لتحقيق أهداف سياسية واضحة، سواء عبر تعزيز العلاقات الخارجية أو بناء دعم داخلي قوي، مما يجعل من المساجد والزوايا أدوات استراتيجية في رسم خريطة السلطة والنفوذ.
في حين تساعد “دبلوماسية المساجد” في المغرب في نشر نسخة معتدلة من الإسلام، وتعمل كوسيلة لمكافحة التطرف، مما يعزز مكانة المملكة ويدعم صورتها على الصعيد الدولي.
بالتالي. المساجد والزوايا في المغرب العربي ليست مجرد أماكن للعبادة، بل هي أدوات حيوية للديبلوماسية والسياسة.
من خلال بناء هذه المؤسسات الدينية الضخمة، يسعى القادة إلى ترك إرث ديني وحضاري دائم وتعزيز نفوذهم داخلياً وخارجياً.
بما يجعل الدين قوة ناعمة مؤثرة في رسم السياسات الوطنية والدولية.
الا يعتبر المسجد مؤسَّسة الدَّولة الأولى، فقد بدأ تأسيس الدَّولة الإسلاميّة في المدينة المنورة من المسجد تحديدا، وهو الفضاء الوحيد الذي يوجِدُ علاقة اجتماعيّة وسياسيّة سمتها الامانة والثقة بين السُّلطان والرَّعيّة.