تونس 26°C

12 سبتمبر 2025

تونس 38°C

12 سبتمبر 2025

هكذا تُصنع الطواغيت: حين تتحول السلطة إلى لعنة !.

ا

بقلم – أ . حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .

الطاغية لا ينزل من السماء ، لا يولد متوَّجا على عرش الاستبداد. إنما يُصاغ في دهاليز السلطة، ويُلمّع بريقه على منصات الاستعراض، حتى يغدو في عيون الناس قدرا محتوما لا بدّ منه و لا يُكسر .
يبدأ المشهد عادة بمواكب عسكرية مهيبة، صفوف من الجنود المدججين، رايات تخفق، وكاميرات تسلّط لتجعل من الحاكم صورة أسطورية تُضاهي الآلهة القديمة.
هذا المشهد تكرر أمامي وأنا أتابع العرض العسكري في بكين بمناسبة مرور ثمانين عاما على انتصار الصين على اليابان.
وقف على المنصة شي جين بينغ، الرجل الذي عدّل دستور بلاده ليمنح نفسه مقعدًا أبديًا في السلطة. إلى جانبه ظهر فلاديمير بوتين، وقد أعاد هندسة النظام الروسي كي يضمن لنفسه البقاء سيدا للكرملين بلا نهاية. وفي الطرف الآخر جلس كيم جونغ أون، الحاكم الذي تقدّمه الدعاية لشعبه كأنه قدر أزلي لا يقبل التغيير.
غير أن هذه الظاهرة ليست حكرا على الشرق البعيد. تاريخنا العربي والإسلامي يعجّ بصور مماثلة : حين تحوّلت الخلافة الراشدة إلى مُلك وراثي بقرار من معاوية بتوريث الحكم ليزيد، انكسرت قاعدة الشورى، وبدأت أولى خطوات الاستبداد.
ومع العباسيين، رغم شعارات العدل ونصرة الدين، سرعان ما ابتلع البذخ والقهر القلوب، حتى غدا الخليفة أحيانا أسيرا بيد جنده ووزرائه. تتابع الطغاة بأشكال مختلفة، من الحاكم بأمر الله الفاطمي، إلى بعض السلاطين المماليك والعثمانيين الذين لم يروا في الحكم سوى وسيلة للتجبر والجباية.
الدرس واحد، مهما اختلفت الأسماء والوجوه : السلطة المطلقة لا تُنجب إلا طغيانا مطلقا. الحاكم لا يتورط في الاستبداد وحده، بل تُسانده بيئة تُصفّق، وشعب يُغضّ الطرف، ومحيط يساوي بين الوطن وبين الحاكم نفسه. ومع مرور الزمن، تتحول الدولة إلى ضيعة شخصية، والشعب إلى مجرد رعايا لا مواطنين، فتغدو الحرية استثناء والعدل غريبا، وتصبح الديمقراطية حلما مؤجلا .
غير أن الأخطر من الطاغية ذاته، هو الأرض الخصبة التي تُنبت الطغيان. فالحاكم لا يستمر إلا بقدر ما يجد صمتا، أو خوفا، أو رضًا من شعبه. وما لم تُكسر هذه الدائرة الجهنمية، ستبقى الأوطان تدفع الثمن : خرابا للمدن، دماء تسيل، وأجيالا تُولد وتشبّ في أحضان الاستبداد .

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية