تونس 27°C

12 سبتمبر 2025

تونس 38°C

12 سبتمبر 2025

من يخاف الحوار… يخاف الحقيقة !.

-مرة أخرى، تجد الصحافة نفسها في قفص الاتهام .
مرة أخرى يرفع سيف التخوين في وجه صحفي لمجرد أنه حاور شخصية إسرائيلية.
كأن الجلوس أمام خصم أو حتى عدو صار فعلا يوازي الخيانة، وكأن الصحفي لم يُخلق إلا ليعيد صدى الشعارات، لا ليضيء مناطق العتمة. لكن السؤال الجوهري الذي غاب وسط هذا الضجيج من المزايدات : ما وظيفة الصحافة و ما هي رسالة الصحفي في الأصل ؟.
الصحافة ليست ميليشيا إيديولوجية، ليست فصيلا او جناحا سياسيا لأي طرف.
الصحفي ليس مقاتلا ، محاربا يحمل بندقية، بل شاهدا يحمل سؤالا . عمله أن يخلع . ان يفتح النوافذ المغلقة، أن ينقل للناس ما يقال في العلن وما يهمس و لا يكشف عنه في الكواليس .
أن يضع أمام الرأي العام صورة كاملة للواقع، بما فيه من أعداء وأصدقاء .
الحوار مع الخصم ليس اصطفافا معه، بل تفكيك لخطابه، كشف لمنطقه، وتعريه لوجهه الحقيقي أمام الناس .
ان التاريخ مليء بالشواهد : لم يكن الحوار مع الأعداء يوما علامة ضعف أو خيانة ، بل كان أداة استراتيجية لفهم موازين القوى .
كيف تبني دولة أو يشيد شعب موقفا صلبا دون أن يعرف عقل عدوه وكيف يفكر؟ رفض الحوار بحجة ” النقاء الثوري ” لا يصنع وعيا ، بل يصنع جهلا وانغلاقا .
المعركة لا تخاض بالصراخ، بل بالمعرفة الدقيقة.
الهجوم على هذه الصحفية لم يكن سوى مرآة لأزمة اخطر و أعمق : صعود الشعبوية التي تفضل الشتم على النقاش، وتقدّس الشعارات أكثر مما تحترم التفكير النقدي .
هكذا تتحول الصحافة إلى رهينة مزاج جماهيري متقلب، و يقاس الصحفي بمدى خضوعه لخطاب الغوغاء، لا بمدى وفائه لمهنته.
الدفاع عنها ليس دفاعا عن فرد، بل عن حرية الصحافة ذاتها.
كل مرة نكسر قلما او نكمم فيها فما صحفيا او نغلق صوتا اعلاميا بحجة التخوين، نخسر نحن فرصة للفهم .
كل مرة نجرّم السؤال، نحرم أنفسنا من أدوات المواجهة.
الصحافة الحرة ليست ترفا ، بل شرطا لمجتمع قادر على المقاومة والفعل التاريخي.
الحقيقة، مهما كانت جارحة، لا تُصادر.
الصحافة، مهما كانت مزعجة، لا تُحاصر.
إذا كانت ثمة خيانة حقيقية، فهي خيانة العقل حين نستبدله بالهتاف ، وخيانة الحرية حين نذبحها على مذبح الشعبوية .
أمّا الحوار، حتى مع العدو، فهو بداية الوعي، والوعي أول سلاح في كل معركة عادلة .

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية