تونس 25°C

12 سبتمبر 2025

تونس 38°C

12 سبتمبر 2025

مركز الملك سلمان للاغاثة :حكمة ملك و لمسات طبيب ترسمان ملامح رحمة .

بقلم : أ . حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .

-عبد الله الربيعة …جراح الانسانية وصانع الأمل .

بين مشرط طب وسِعة قلب، شقّ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة طريقه نحو العالمية، ليغدو اسمًا لامعًا في ميادين الطب والعمل الإنساني، محققًا ما لم يسبقه إليه أحد في تخصص دقيق ومعقّد : فصل التوائم السيامية.
إنها مسيرة رجل جمع بين العلم والعمل، وبين المسؤولية الوزارية والمبادرات الإنسانية، قصة تُروى لا لتُذكر فقط، بل لتُلهم وتُحتذى. منذ أول عملية لفصل التوائم السيامية التي أُجريت عام 1957 في أمريكا، وحتى بداية القرن الحادي والعشرين، ظلّت هذه العمليات من أعقد ما عرفه الطب الحديث.
غير أن تقريرًا أمريكيًا صدر في ديسمبر 2019 سلّط الضوء على إنجاز فريد : الدكتور عبدالله الربيعة أجرى 48 عملية لفصل توائم سيامية خلال ثلاثة عقود، غالبيتها لأسر فقيرة من مختلف أنحاء العالم، ما جعله يتصدر قائمة الجراحين عالميًا في هذا التخصص.
ومن أبرز عملياته فصل التوأم الليبيين أحمد ومحمد، في إنجاز علمي وإنساني استثنائي.
وُلد الربيعة في الرياض في 11 نوفمبر 1954، وبدأت شرارة حلمه الطبي حين تعرض في طفولته لحادث دراجة شجّ رأسه، فخاط الطبيب جرحه بلا مخدر، فكان أن قال له والده مواسيًا : “ستصبح يومًا جراحًا وتخيط الجروح دون ألم”، ومنذ تلك اللحظة، أصبحت الجراحة قدره، والرحمة سلاحه.
تخرج من كلية الطب بجامعة الملك سعود عام 1979 بامتياز، ثم اتجه إلى كندا حيث نال عام 1985 الماجستير في جراحة الأطفال المشوهين خلقيًا، ثم الزمالة في التخصص ذاته، وأكمل لاحقًا تأهيله في الجراحة العامة وجراحة الأطفال بجامعة دلهاوسي عام 1987. عاد إلى المملكة العربية السعودية عام 1988 ليبدأ مسيرة مهنية ثرية بالمناصب الطبية والإدارية دون أن يغادر غرفة العمليات، مهتمًا بأمراض الأطفال النادرة والمعقدة، وشارك بخبراته في مؤتمرات وندوات دولية، كما نشر أكثر من 72 بحثًا علميًا محكّمًا تُرجمت إلى عدة لغات.
وفي عام 2009، أصدر كتابه الأشهر “تجربتي مع التوائم السيامية”، مقدّمًا من خلاله رؤى علمية وإنسانية حول هذا التخصص النادر، مستعرضًا معاناة الأطفال وأسرهم، وتحديات الفرق الطبية، بلغة تقرّب القارئ من لحظة الفصل الدقيقة بين الحياة والموت.
إنجازاته ألهمت الروائية الرومانية دومنيكا سيف اليزل، التي جعلته بطل روايتها “الحب واليأس”، المستوحاة من قصة فصل التوأم الماليزيين عام 2002، والتي تكفل الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بمصاريفها، فأهدت الكاتبة أول نسخة من الرواية إلى جلالته تعبيرًا عن الامتنان.
في فبراير 2009، عُيّن وزيرًا للصحة، فحمل الملفات الثقيلة بتفانٍ، دون أن يتخلى عن ممارسة الطب، مؤكدًا أن العمل التنفيذي لم يفصله عن شغفه الأساسي، وبعد مغادرته الوزارة في 2014، عاد إلى تخصصه بكل ما فيه من دقة وإنسانية، متابعًا مسيرة التفاني بين العلم والرحمة.
وفي تتويج لهذه المسيرة، كلفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في 13 مايو 2015، بالإشراف على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، ليكون المركز الذراع الإنساني للمملكة في الخارج، فشغل منذ ذلك الحين منصب المشرف العام عليه ، إلى جانب منصبه كمستشار في الديوان الملكي، ويُعنى المركز بتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للمحتاجين والمنكوبين في جميع أنحاء العالم، مجسدًا التزام المملكة بقيم العطاء الإنساني، وحرصها على مدّ يد الخير لكل من مسّه الضيق أو حلّ به الضر .
وها هو المركز اليوم ، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وتحت إشراف الدكتور الربيعة، مشكاة مضيئة في عتمة الأزمات، يرسم وجه المملكة بلون الرحمة، وينسج بخيوط الإنسانية جسورًا تمتد من ضفاف الألم إلى ضوء الرجاء، يحمل الغذاء والدواء، لكنه يحمل أيضًا شيئًا أعمق : يحمل معنى التضامن الإنساني حين يُترجم إلى أفعال، ومعنى النبل الوطني حين يعلو على الحسابات، ومعنى القيادة حين تكون العناية بالآخر جزءًا من الهوية.
إنه ليس مجرد مركز إغاثي، بل تجسيد حيّ لضمير أمة، وامتداد حضاري لرؤية سعودية تنثر الخير عبر القارات.
مؤسسة لا تكتفي بالاستجابة للكوارث، بل تبادر، تخطط، وتنسج استراتيجيات مستدامة تعيد بناء الحياة من تحت الركام.
هو النبض الرحيم لسياسة سعودية تؤمن أن للإنسان حقًا في الكرامة مع ضرورة أن يملك قوت يومه، وأن عظمة الأوطان تُقاس بما تفعله لأبعد من حدودها.
لقد غدا مركز الملك سلمان للاغاثة والأعمال الإنسانية عنوانًا عالميًا للمروءة والعمل المؤسسي النزيه، ورايةً بيضاء ترفرف في ميادين المحن، تُداوي الجراح، وتزرع الأمل، وتُترجم القيم إلى أفعال تنساب مثل نسيم خفيف على أرواح الشعوب، لتقول بلطف سعودي عميق : لسنا نغيث لأننا نملك، بل لأننا نؤمن أن الإنسانية ميثاق لا يسقط بالتقادم، وأن في الرحمة قوّة، وفي العطاء سيادة،
لقد بات المركز مرآةً تنعكس عليها فلسفة سعودية فريدة : أن القوّة لا تكتمل إلا حين تَحمل في طياتها رقة، وأن المجد لا يُبنى إلا حين يُبنى للآخرين حياة.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية