تونس 26°C

12 سبتمبر 2025

تونس 38°C

12 سبتمبر 2025

كاميرا بناهي تحاكم القسوة في “حادث بسيط ” .

كان – عرب 21 :
يعود المخرج الإيراني الشهير جعفر بناهي إلى مهرجان كان، حاملا معه عملا سينمائيا جديداً، يواصل من خلاله تحدي الرقابة وتوثيق العنف السياسي، بأسلوب فني جريء، يختلط فيه الواقع بالخيال، والضحك بالرعب، ليطرح أسئلة موجعة عن التعذيب، الذاكرة، والعدالة. فيلمه الأخير “حادث بسيط”، المرشح هذا العام للسعفة الذهبية، لا يكتفي بسرد حكاية، بل يقتحم مناطق محظورة، ليعري الوجه القمعي للنظام الإيراني ويصوّب عدسة الكاميرا نحو السجون، حيث تُكسر الإنسانية وتُمحى ملامح العدالة.

فن يعانق العبث ويصدم بالحقيقة:
بين السخرية السوداء والدراما العبثية، ينجح بناهي في رسم لوحة سينمائية متداخلة الطبقات: من نساء بلا حجاب إلى مثقفين مثاليين وناجين من القمع. يتقاطع الجميع في حكاية واحدة تتجاوز حدود الواقع، ليصنع المخرج مسرحاً للعبث يسكنه الشك، والرغبة في القصاص، والحنين إلى عدالة مفقودة. ومع أن الفيلم لا يمنح إجابات قاطعة، فإنه يختتم بمشهد يخطف الأنفاس، يترك المشاهد وجهاً لوجه مع سؤال مفتوح: هل ننتصر على وحشية العالم من دون أن نصير جزءاً منها؟.
هكذا يثبت جعفر بناهي، مجددا ، أنه ليس مجرد مخرج سينمائي، بل شاهد على زمن يتآكل من الداخل، يسرد عبر الكاميرا ما عجزت السياسة عن الاعتراف به، ويحفر بفنه فجوة في جدار الصمت

مخرج في قلب المعركة:
منذ تتويجه بالكاميرا الذهبية عن فيلمه الأول البالون الأبيض (1995)، ثم الأسد الذهبي عن الدائرة (2000)، اختار بناهي أن يسلك درباً محفوفاً بالمخاطر، دفاعاً عن حرية التعبير. وفي ديسمبر 2010، حُكم عليه بالسجن ست سنوات ومنع من إخراج الأفلام لعشرين عاماً، بتهمة “الدعاية ضد النظام” بعد إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في انتخابات يونيو 2009 المثيرة للجدل.
لكن المخرج العنيد لم يرضخ، بل واصل العمل متخفياً، متحدياً الرقابة، مشاركاً في مهرجانات كبرى، كما حدث مع أفلامه هذا ليس فيلماً (2011) وثلاث وجوه (2018)، وتاكسي طهران الذي نال عنه جائزة الدب الذهبي في برلين عام 2015.

“حادث بسيط”: الكوميديا السوداء تكشف الجرح العميق :
فيلمه الجديد “حادث بسيط”، الذي يحيطه بسرّية مشددة، يأتي بعد ثلاث سنوات من انطلاق حركة “امرأة، حياة، حرية”.
يقدّم بناهي فيه دراما تراجيدية كوميدية، بطابع مباشر وغير معتاد. ببطولة جماعية متقنة، يأخذ الفيلم المُشاهدين في رحلة متوترة على طريق ليلي، حيث تتصادم سيارة صغيرة يقودها أب مع كلب، ثم تتعطل.
في أحد الورشات لإصلاح السيارة، يتعرف عامل يُدعى فاهيد على صوت السائق ويعتقد أنه الجلاد الذي كان يعذّبه في السجن: إقبال، الرجل المعروف بلقب “الاعرج” بسبب ساقه المبتورة في سوريا، وصوت طرفه الصناعي الذي كان يسبق لحظة التعذيب.

مطاردة الجلاد: بين الانتقام والعدالة :
فاهيد لا يتردد. يترصده، يضربه بباب السيارة، ثم يحتجزه في شاحنته الصغيرة. تبدأ رحلة شائكة لاكتشاف الحقيقة: هل هو فعلاً إقبال؟ يزور رفاقاً سابقين، يتلقى تلميحات، حتى تدله إحدى الصحفيات – كانت منشغلة بتصوير عروسين – على تفاصيل جديدة. وتلتحق ضحية أخرى لتؤكد أن الرجل هو الجلاد نفسه. الآن، وقد تأكد فاهيد من هوية الرجل، يتصاعد التوتر: هل يقتله؟ هل يسلم أمره للعدالة؟ لكن أي عدالة في بلد لا يعترف بجرائمه؟ .

تساؤلات أخلاقية تهز الضمير :
الفيلم يُجسد تساؤلا محورياً: هل يحق للضحية أن يتحوّل إلى جلاد؟ وإذا عُفي عن الجاني، هل نكون ساهمنا في الإفلات من العقاب؟ وهل يمكن للإنسان أن يبقى إنساناً أمام جلاده؟ أسئلة تعيد إلى الأذهان تجارب سينمائية أخرى مثل أعمال ريتي بان (كمبوديا) ومهران تمدن (إيران)، وحتى فيلم “الأشباح” (2024) لفرنسي من أصل سوري، عُرض في قسم “نظرة ما” في مهرجان كان هذا العام.

فن يعانق العبث ويصدم بالحقيقة:
بين السخرية السوداء والدراما العبثية، ينجح بناهي في رسم لوحة سينمائية متداخلة الطبقات: من نساء بلا حجاب إلى مثقفين مثاليين وناجين من القمع. يتقاطع الجميع في حكاية واحدة تتجاوز حدود الواقع، ليصنع المخرج مسرحاً للعبث يسكنه الشك، والرغبة في القصاص، والحنين إلى عدالة مفقودة. ومع أن الفيلم لا يمنح إجابات قاطعة، فإنه يختتم بمشهد يخطف الأنفاس، يترك المشاهد وجهاً لوجه مع سؤال مفتوح: هل ننتصر على وحشية العالم من دون أن نصير جزءاً منها؟.
هكذا يثبت جعفر بناهي، مجددا ، أنه ليس مجرد مخرج سينمائي، بل شاهد على زمن يتآكل من الداخل، يسرد عبر الكاميرا ما عجزت السياسة عن الاعتراف به، ويحفر بفنه فجوة في جدار الصمت

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية