بقلم : ا – حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .
لم تعد حرب إسرائيل على غزة تقرأ في إطار الأهداف العسكرية التقليدية، بل أضحت المثال الأوضح على صراع تحكمه الحسابات السياسية أكثر من وقائع الميدان .
منذ أكثر من اثنين وعشرين شهرا ، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق هدفها المعلن المتمثل في استعادة الأسرى لدى حركة حماس، رغم ما سخّرته من امكانات عسكرية ضخمة و قوة نارية هائلة .
حتى الإفراجات المحدودة التي جرت، لم تتحقق إلا عبر التفاوض وفي فترات هدنة، وهو ما يفضح هشاشة السردية التي تسوّقها اليوم الحكومة الإسرائيلية.
انّ إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عزمه فرض سيطرة كاملة على القطاع، مع نزع سلاح حماس وإقامة إدارة مدنية بديلة عن السلطة الفلسطينية والحركة معا ، يثير أسئلة جوهرية عديدة حول النوايا الحقيقية لحكومته.
مثل هذا المشروع لا يتجاهل مصير نحو مليون فلسطيني في مدينة غزة فحسب، بل يتعمد القفز على جوهر القضية الفلسطينية المتمثل في حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والسيادة على أرضه.
اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية لا يخفي رغبته في إعادة احتلال القطاع، مدفوعا بروح انتقامية منذ تفكيك المستوطنات عام 2005، حتى لو كان ذلك على حساب حياة الأسرى الإسرائيليين أنفسهم.
انّ التحذيرات الصادرة عن القيادات العسكرية العليا، وعلى رأسها رئيس الأركان إيال زمير، كانت واضحة في رفض مغامرة برية في مناطق مكتظة بالسكان، خوفا من الوقوع في ” فخ حركة حماس ” الذي قد يعني عمليا تصفية الأسرى.
فالخطة الإسرائيلية تفتقر لأي رؤية واقعية لما بعد الحرب.
اثبتت التجارب السابقة، مثل مشروع ” روابط القرى ” في سبعينيات القرن الماضي ، أن أي سلطة محلية تنشأ برعاية الاحتلال محكوم عليها بالفشل الشعبي والسياسي.
كما أن أي دولة عربية لن تقبل بتحمل عبء إدارة القطاع، لما يمثله ذلك من تناقض صريح مع الثوابت الوطنية للقضية الفلسطينية.
دوليا، تتزايد عزلة إسرائيل مع إعلان فرنسا نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وانضمام دول أخرى إلى هذا التوجه، وصولا إلى قرار ألمانيا تعليق صادرات الأسلحة التي قد تُستخدم في غزة.
هذه التحولات تعكس إدراكا دوليا متناميا بأن ما يجري في القطاع ليس مجرد حرب، بل محاولة ممنهجة لجعل حياة الفلسطينيين جحيما لا يُطاق، ودفعهم نحو النزوح القسري.
في المحصلة، تبدو الحرب على غزة اليوم أسيرة رهانات نتنياهو السياسية، ومساعيه للهروب من الملاحقات القضائية، ولو على حساب استمرار نزيف الدم وتجويع المدنيين وتركهم بين مطرقة القصف وسندان الحصار.
لكن ما يغفل عنه صانع القرار في تل أبيب هو أن هذه السياسة ، مهما طال أمدها، لن تنجح في محو فلسطين من الذاكرة الجمعية، ولن تفرض على شعب بأكمله الاستسلام لواقع الاحتلال .
1 Comment
أجد تحليلاتك، رغم قلة خبرتي، أقرب ما يكون للواقع والمنطق..بعيدة عن الجعجعة التي تملأ الفضاء الالكتروني، حيث تجد الانفعالات المختلفة المعبّرة عن نوايا اصحابها او عن مصالحهم .برافو حذامي..