بقلم – ابوبكر الصغير .
في الثاني من أوت سنة 1990، استفاق العالم العربي على هول الصدمة.
الكويت تُغزَى فجرا، في عملية عسكرية خاطفة، لم تترك مجالا للالتقاط الأنفاس، اجتاحت فيها القوات العراقية أراضي دولة شقيقة ذات سيادة، فصُدم و دُهِش الضمير العربي قبل أن يغضب.
في تلك الليلة، لم تنم عيوننا. كنت مستشارًا عامًا لرئاسة تحرير جريدة الصياح اليومية ، وكان الحدث جللا، يهزّ كل ثابت في خريطة الوعي العربي.
تواصلت فورا مع الزميل الاستاذ العزيز عبد اللطيف الفراتي، وكان القرار أن نلتحق بمقرّ الجريدة فورا .
لم تكن ساعات الليل كافية للتفكير أو التحليل، كنا في سباق مع الزمن… ومع الضمير.
وقبل أن يطلّ صباح الثالث من أوت، أصدرنا طبعة خاصة، أدنا فيها بشدة و بأوضح الكلمات غزو الكويت، وانتصرنا لحقها الأصيل ، كدولة حرّة، وشعب كريم، في أرضه ووطنه.
قلناها بوضوح : لا شرعية لقوة تفرض منطقها على جارها، ولا مبرر يغفر اقتلاع سيادة شعب من أرضه.
ولم يكن ذلك الموقف مجانيا. فقد كان هناك تيار شعبي عريض، يميل عاطفيا للعراق، و كلفنا الموقف و الكلمة ثمنا من النقد، والتشكيك، بل حتى التهديد. لكنّنا لم نرتجف، لا أنا ولا ثلة من الأصدقاء المثقفين والمستقلين.
ثبتنا على ما آمنا به، و واصلنا دفاعنا عن الكويت و شعبها الشقيق في ارضه و وطنه ، وأسّسنا لجنة لمساندة الشعب الكويتي ضمت عديد الشخصيات التونسية ، دافعنا فيها عن الحق، ورفعنا فيها صوت المظلوم، وأصررنا أن قضية الأسرى والمفقودين الكويتيين قضية كرامة لا تسقط مهما كانت التبريرات و التعلات .
لم نكن ننتظر مقابل هذه المواقف لا جزاء ولا شكورا.
كان ذلك الموقف نابعا من قناعتنا العميقة بحقوق الشعوب، ومن فهمنا للتاريخ : كل بلد، حتى تونس، يمكن أن يكون ضحية لجار له أطماع، إن لم يُرَدع من شقيق أو صديق.
والأهم من ذلك : أن للكويت على تونس يدا كريمة لا تُنسى.
فقد وقفت الكويت، زمن بناء الدولة الوطنية، إلى جانب بلادنا وقفات لا تُمحى، في التعليم، والإعلام، والتنمية و البنية الاساسية .
كانت الأخوة تُترجم على الأرض دعمًا لا منّ فيه.
اليوم، وقد مرّ ربع قرن ونيف على تلك الذكرى، ما زلنا نحب و سنبقى و نواصل حبنا هذا البلد النبيل، الكويت، بلد الكرم والمروءة والقيادة الحكيمة.
ما زلنا نعتز بموقفنا ذاك، الذي لم نُجامل فيه أحدا، ولم نبحث فيه عن مكسب، إلا كرامتنا كأمة.
لسنا نطلب عرفانا، ولا نذكّر بجميل.
حفظ الله الكويت، بلدا عزيزا كريما، وشعبا وفيا أصيلا، وقيادة حكيمة ترعى الذاكرة وتُكرم المحبة.
لا يفوتني كذلك في هذا السياق، أن أُشيد بكل تقدير بسعادة سفير دولة الكويت في تونس سعادة الاستاذ منصور خالد عمر ، الذي عرفناه رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى : مثقف رفيع، وديبلوماسي متزن، صاحب خُلق نبيل وابتسامة لا تغيب. جمع بين التواضع الجمّ، والرقيّ في التعامل، والقدرة على تمثيل بلده العزيز بأفضل صورة.
لقد لمستُ شخصيا و على قلة المناسبات التي التقيته فيها روح الكويت التي نحبها، وتاريخها المشرق، وثقافتها الأصيلة.
وأجد من واجبي، من باب الإنصاف قبل المحبة، أن أقول إن حضوره في تونس ترك و سيترك أثرا طيبًا في النفوس، وجسرا من الودّ بين البلدين، نأمل أن يظل عامرا بالثقة والتقدير المتبادل.
1 Comment
دايما يا سي بو بكر رجل فريد من نوعك دمتم بصحه ويحفظكم الله .