تونس 27°C

11 سبتمبر 2025

تونس 38°C

11 سبتمبر 2025

الغرب ، الحروب ، والجوار الملتهب : معركة الهوية والأمن .

بقلم – ابوبكر الصغير .

لم تعد الحروب في عالم اليوم استثناء ، بل تكاد تتحول إلى قاعدة يومية .
العالم الذي حلم طويلا بعصر ما بعد الحروب و الصراعات و النزاعات، يجد نفسه في خضم صدامات كبرى تتكاثر على الخريطة، من غزة إلى أوكرانيا، ومن بورما إلى السودان مرورا باليمن . الخبراء يحذرون : كوكبنا اليوم أشد عنفا مما كان عليه مطلع القرن الحالي .
ثماني حروب كبرى، وعشرات الصراعات الصغيرة التي لا تقل دموية، ترسم لوحة جد قاتمة لمستقبل لم يعد يَعِد بالكثير من الطمأنينة.
لكن خلف هذا المشهد الدموي، يقف سؤال اخطر و أعمق :
هل الصراع مجرد معركة جغرافيا وحدود و مصالح ، أم أنه انعكاس لفلسفة أوسع ؟
ان ّ العولمة جعلت من الغرب أكثر من مجرد موقع جغرافي.
إذا كان الغرب هو روح التكنولوجيا القائمة على المعرفة العلمية، فهو حاضر في كل مكان تُستعمل فيه هذه التكنولوجيا، من مختبرات الذكاء الاصطناعي في كاليفورنيا إلى هواتف المراهقين في أرياف آسيا وإفريقيا.
مع ذلك، يظل هذا الغرب يفرض معاييره كما لو أنها قوانين كونية ، متناسيا أن الشعوب الأخرى لها رؤاها ومصالحها وهوياتها الخاصة. هنا يتولد التوتر : المسلم الذي يستخدم الهاتف الذكي أو يطمح إلى امتلاك القنبلة الذرية، هل صار غربيا فعلا ، لمجرد امتلاكه أدوات التقنية العربية ؟ أم أنه يظل يبحث عن معنى آخر يحصنه من جنون الروح التقنية التي تحوّل كل شيء إلى أداة بلا غاية؟ .
بالتالي فان هذا العالم يعيش تصادما فلسفيا عميقا : الغرب العلماني الذي يمنح كل شيء للفرد، في مواجهة بقية العالم الأكثر تشبثا بالمفهوم العضوي للمجتمع .
بين من يرى أن الحرية تبدأ بالفرد، ومن يعتبر أن العدالة لا تقوم إلا عبر توازن بين الفرد والجماعة .
هذا الصدام الفلسفي ليس مجرد تنظيرا أكاديميًا . نتائجه تشتعل اليوم على حدودنا المباشرة.
ليبيا ، الجارة التي تشترك معنا في الدم والجغرافيا ، تعود إلى واجهة الفوضى : مليشيات متصارعة، مرتزقة يتموقعون قرب حدودنا، وشركات عسكرية أمريكية مثل “أمنتوم” تتسلل لتدريب جماعات مسلحة في طرابلس.
في أبريل 2024، حطّت طائرة عسكرية أمريكية خامسة في قاعدة الوطية، على بعد 27 كيلومترا فقط من حدودنا. وفي الوقت نفسه، تلوح في الأفق أنباء عن موجات نزوح ضخمة، تصل إلى ثمانية ملايين إفريقي يتجهون شمالا ، نحو تونس والجزائر وليبيا.
انّ المعادلة بسيطة و خطيرة : بينما ينشغل العالم بحروب غزة وأوكرانيا، قد نجد أنفسنا أمام بركان يشتعل على أعتابنا.
لم يعد كافيا لنا أن نرصد الأخبار. نحن بحاجة إلى أدوات جديدة لفهم هذا السلوك السياسي لمحيطنا الإقليمي. الجغرافيا السياسية لم تعد مجرد خرائط تُرسم ، بل فضاءات تتصارع عليها القوى الكبرى . والاستراتيجية لم تعد ترفا أكاديميا ، بل ضرورة لحماية أمننا القومي واستقرارنا.
فالسلام ليس غياب الحرب، كما يردد الحكماء، بل فضيلة تصنع بحكمة القادة وبوعي الشعوب.
وفي زمن أصبحت فيه الطائرات المسيّرة والمرتزقة وشركات الأمن الخاصة أدوات يومية للسياسة ، فإن السلام صار أكثر ندرة، وأغلى ثمنا.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية