بقلم – أ .حذامي محجوب
برحيل الطاهر سيود، طوت تونس صفحة من صفحاتها المضيئة في عالم الدبلوماسية والاقتصاد والإعلام والرياضة.
رحل الرجل بهدوئه المعهود، متحفظًا كما كان طوال مسيرته الزاخرة بالعطاء، تاركًا وراءه إرثًا سيظل خالدًا في ذاكرة من عرفوه، وعملوا معه، وتتلمذوا على خطاه.
لم يكن الطاهر سيود مجرد دبلوماسي محنك، بل كان رجلًا متعدد المواهب، جمع بين العمل البنكي والدبلوماسي والإعلامي والرياضي، في مسيرة قل نظيرها.
فقد شغل منصب رئيس ديوان المدير العام للإذاعة والتلفزة التونسية، الحبيب بن الشيخ، ولا يزال الكثيرون من أبناء الصحافة والإعلام لتلك الفترة يتذكرون طيبته وتفانيه وصلابة مبادئه.
تميّز سيود بمعرفته العميقة بالشأن الأوروبي، إذ عايش مراحل توسع الجماعة الاقتصادية الأوروبية من ست دول إلى الاتحاد الأوروبي الذي بلغ 28 دولة قبل البريكسيت. كان مهندسًا رئيسيًا لاتفاق التعاون لسنة 1976، ثم لاتفاق الشراكة لسنة 1995، الذي سيُحتفل بالذكرى الثلاثين لتوقيعه هذا الصيف. ولعل تكليفه بمنصب سفير تونس في بروكسيل ثلاث مرات، مع اعتماده لدى بلجيكا ولوكسمبورغ ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، خير دليل على مكانته المرموقة في الدبلوماسية التونسية.
سعى بحماس لإنشاء بعثة دائمة مستقلة لتونس لدى الاتحاد، أسوة بالعديد من الدول الأخرى.
لم تكن الدبلوماسية وحدها ميدان تألقه، بل كان أيضًا رائدًا في العمل البنكي.
بدأ مسيرته في البنك التونسي الفرنسي بباريس، ثم عُين نائبًا لمحافظ البنك المركزي التونسي عام 1980، مكلفًا بإنشاء بنوك تنموية مع دول الخليج .
أثمرت جهوده عن تأسيس ستة بنوك بالشراكة مع السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، ليبيا، فضلًا عن بنك التمويل العربي المشترك (BCMA).
عاد في نهاية مشواره الدبلوماسي إلى القطاع البنكي ليتولى رئاسة مجلس إدارة بنك تونس العربي الدولي (BIAT)، أعرق البنوك الخاصة، ثم ترأس مؤسسته.
في مسيرته الحكومية، شغل الطاهر سيود منصب كاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية مكلفًا بالشؤون الأوروبية، ثم اتسعت مهامه لتشمل القضايا العربية والأفريقية، قبل أن يُعين وزيرًا للتجارة مكلفًا بالإشراف على تنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
أما في المجال الرياضي، كان له حضور بارز أيضًا، حيث ترأس الجامعة التونسية لكرة القدم، مسخرًا خبرته وحبه للرياضة لخدمة الشباب التونسي.
ولد سيود في مدينة المهدية، حيث عانق شواطئ المتوسط طفولته وصباه، وظل مرتبطًا بها روحًا ومكانًا حتى آخر أيامه.
بروح التآلف والوئام التي ميزته، ساهم الفقيد في تأسيس جمعية قدماء السفراء والقناصل العامين، وتولى رئاستها بكل تفانٍ حتى وفاته، مؤكدًا أن رسالته في جمع الكلمة وخدمة تونس لم تتوقف قط.
عرفته شخصيًا، وحضرت لعدة ندوات نظمها وهو على راس جمعية قدماء السفراء والقناصل واستفدت من تجربته .
رجل نادر لا تملك إلا أن تقدر فيه عمق الرؤية، ونبل الخلق، وصدق الالتزام.
في وداع، الطاهر سيود، لا يسعنا إلا أن نرفع أكف الضراعة، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فراديس جنانه، وأن يلهم ذويه وأهله وأصدقائه جميل الصبر والسلوان.
الله يرحمك ويجزيك خير الجزاء عمّا قدمت لوطنك.
