ا
بقلم : أ – حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .
في الذكرى الثمانين لانتصار الصين على اليابان و دحر الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية ، ألقى الرئيس شي جين بينغ خطابا بدا أشبه ببيان سياسي شامل منه بتذكار احتفالي . لم يكن حديثه مجرد استدعاء لصفحات الماضي أو تكريما لشهداء سقطوا في معارك دامية، بل كان إعادة صياغة واعية للعلاقة بين الذاكرة الوطنية والرهانات الدولية الراهنة.
منذ الجملة الأولى، شدد شي جين بينغ على أن ” الشعب الصيني قاتل وضحّى من أجل بقاء الدولة ونهضة الأمة ” . لم تكن العبارة مجرد استذكار تاريخي، بل تأسيس لرؤية تؤكد أن قوة الصين الحالية متجذرة في خبرة المقاومة والصمود، وأن هذه الخبرة باتت درعا يحميها من ضغوط العصر الحديث.
الرسالة لم تكن موجهة للداخل بقدر ما كانت موجهة للخارج : الصين تقول للعالم إنها لم تهزم أمام اليابان ذات يوم، ولن تنحني اليوم أمام أي هيمنة غربية مهما كانت .
و في خطوة لافتة، ربط شي جين بينغ بين حرب المقاومة الصينية والحرب العالمية ضد الفاشية، واضعا بلاده في قلب السردية الدولية كقوة حاسمة ساهمت في ” إنقاذ الحضارة البشرية ” .
هذه الإشارة لم تكن عابرة ، إنها تعني أن بكين ليست مجرد قوة صاعدة تبحث عن اعتراف في القرن الحادي والعشرين، بل قوة تمتلك كل الشرعية التاريخية لصياغة النظام الدولي، لأنها دفعت ثمنا باهظا إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا في الحرب الكبرى.
لكن جوهر الخطاب كان في طرح مفهوم ” المجتمع ذي المصير المشترك للبشرية ” ، حيث يقدّم شي جين بينغ بديلا عن صراعات النفوذ التقليدية : التعاون بدل المواجهة، والتناغم بدل لعبة ” المحصلة الصفرية “. بهذا يضع الصين في موقع حامل لواء السلام والتنمية، في مواجهة ما يصفه بالهيمنة والطغيان. غير أن هذه اللغة المثالية سرعان ما تقترن بتأكيد واقعي : انّ بكين لن تسمح بأي تهديد لسيادتها، وهي ماضية في بناء جيش من الطراز العالمي لحماية وحدة أراضيها ودعم مشروع ” النهضة الصينية ” .
الخطاب إذن كان بناء متماسكا يقوم على ثلاثية الماضي والحاضر والمستقبل : فمن خلال تمجيد الذاكرة، يشرعن سياسات الحاضر ، ومن خلال الدعوة إلى السلام، يبرر سباق التسلح ، ومن خلال الحديث عن التعاون الدولي، يعلن رفض الانصياع للهيمنة الأمريكية. إنها لغة مزدوجة : يد تلوّح بالسلام، وأخرى تشدّ على سيف القوة.
خلاصة ما أراد شي جين بينغ تكريسه في هذا الاحتفال أن ” النهضة العظيمة للأمة الصينية لا تُقاوم ” . فكما لم تنكسر الصين أمام اليابان وحلفائها قبل ثمانية عقود، فإن صعودها اليوم ليس خيارا يمكن إيقافه أو حتى التفاوض حوله، بل مسار تاريخي يفرض نفسه على العالم.