تونس 26°C

12 سبتمبر 2025

تونس 38°C

12 سبتمبر 2025

الذكرى ال 50 سنة على وفاة السيدة أم كلثوم .

بقلم : د. محمد الناصر بن عرب

تنظم المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالمهدية بالجمهورية التونسية تحت إشراف السيد المندوب الجهوي للثقافة بالتعاون مع جمعية الأصالة للسياحة الثقافية والتراث وسعادة سفير جمهورية مصر العربية تظاهرة تخليد خمسينية وفاة السيدة أم كلثوم رائدة الفن العربي وتكريما لها.

وفيما يلي نقدم للقارئ لمحة على حياتها وكيف ارتقى أوج صيتها عبر العالم وأصبحت تدعى الهرم الرابع لجمهورية مصر العربية. وفاء للسيدة أم كلثوم وللعلاقة المتينة التي تربط مدينة المهدية ومدينة القاهرة تعرض التظاهرة بالمهدية أيام 24 و25 و26 و27 نيسان/ أفريل 2025 تحت عنوان “هلت ليالي القمر” يحضرها ثلة من المطربين والفنانين والموسيقيين التونسيين وكذلك من مصر ومن مملكة البحرين والأردن. وهذا برنامجها:

الخميس 24 نيسان/ أفريل 2925 بفضاء المتحف الجهوي بالمهدية: افتتاح التظاهرة

الجمعة 25 نيسان/ أفريل بقرية اللغات برجيش: الندوة العلمية وسهرة موسيقية تحت إشراف مجموعة رياض السنباطي.

السبت 26 نيسان/أفريل: زيارة ضيوف الملتقى للمعالم الأثرية بالجهة

الأحد 27 نيسان/ أفريل 2025 عرض موسيقي للمعاهد العمومية للموسيقى بالجمهورية التونسية تغني لأم كلثوم.

لقد وقعت توأمة مدينة المهدية بتونس بمدينة القاهرة في العاشر من ربيع الأول سنة 1396 ه. الموافق 11 مارس 1976. وللتذكير تأسست مدينة المهدية سنة 300 هج (912/913 م.). وسميت بالمهدية نسبة لاسم عبيد الله المهدي الذي تم تنصيبه كأول خليفة للدولة الفاطمية. ولما دخل مصر الفاطميون القادمين من المهدية بإفريقية (تونس اليوم) بدأ القائد جوهر الصقلي في بناء العاصمة الجديدة للدولة الفاطمية بأمر من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله وذلك في عام 969 م. وأطلق عليها اسم القاهرة وسبب الاسم هذا يعود إلى كوكب المريخ والذي يعني القاهر بالعربية كما أن الفاطميون الذين كانوا ينتمون إلى الاسماعلية من أهل الشيعة أرادوا غزو بغداد العباسية فأطلقوا على مدينتهم الجديدة بمصر اسم القاهرة لقهر بغداد والاطاحة بالمذهب السني.

توفيت كوكب الشرق وصوت العرب يوم 22 محرم 1395/ 3 شباط/ فيفري 1975 بسبب قصور القلب وعمرها 76 سنة. كانت جنازتها شعبية ورسمية من النوع المهيب وقام بتشييعها في القاهرة أكثر من 4 ملايين من الشعب المصري انطلاقا من مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير وسط بكاء ونحيب محبيها.

ولدت أم كلثوم يوم 18 شعبان 1316 / 31 كانون الأول/ديسمبر 1898 في قرية طماي الزهايرة التابعة لمركز السنبلاوين في محافظة الدقهلية بمصر وكان اسمها الحقيقي فاطمة إبراهيم السيد البتلاجي. نشأت أم كلثوم في أسرة متواضعة وكان والدها مؤذنا وإماما بمسجد القرية مما جعلها تتربى في بيئة دينية. وحينما لاحظ والدها مهارتها في تقليد أخيها حفظ بعض الأناشيد مع التكرار وبدأت تقلد والدها. فانبهر عندما سمعها وقرر تعليمها دروس الانشاد الديني وأداء التواشيح في المناسبات الدينية ونتيجة لصوتها الرائع جذبت انتباه الجمهور وشاع صيتها خارج قريتها. وقد لعب عزالدين يكن باشا الذي بفضله زارت القاهرة لأول مرة إذ دعاها لإحياء ليلة الإسراء والمعراج. أما الشيخ أبو العلاء هنا فقد لحن لأم كلثوم قصيدة “وحقك أنت المنى والطلب” وقد تلقت السيدة أم كلثوم تدريبا موسيقيا على يد كبار الملحنين والشعراء في ذلك الحين مثل الشيخ أبو العلاء محمد، ومحمد القصبجي، ورياض السنباطي… ولامتياز غنائها في عالم الطرب، لقبت أم كلثوم بكوكب الشرق. كما غنت للشعراء الكبار مثل أحمد شوقي وإبراهيم ناجي وأحمد رامي وبيرم التونسي. وقد غنت أم كلثوم عديد الأغاني من كلمات شعراء عرب علاوة على الشعراء المصريين مثل “أراك عصي الدمع” لأبي فارس الحمداني من العصر الجاهلي وأغنية “أيه الرائح المجد” من كلمات الشاعر العراقي الشريف الراضي وأغنية “هذه ليلتي” لكلمات جورج جرداق اللبناني وأغنية “ثورة الشك” كلمات الأمير عبد الله الفيصل السعودي وأغنية “حديث الروح” لمحمد إقبال الشاعر الباكستاني الذي كتبها باللغة الأوردية وترجمت إلى اللغة العربية وأبدعت أم كلثوم “رباعيات الخيام” التي ألفها عمر الخيام الفارسي المولود في شهر شوال سنة 439 /أيار/ مايو سنة 1048 م. المشهور في الأدب والموسيقى والحساب والرياضيات وعلم الفلك والتي ترجمها للعربية أحمد رامي “شاعر الست” مباشرة من الفارسية التي تعلمها في باريس موفدا من قبل الحكومة المصرية وأغنية “أصبح عندي بندقية” لنزار قباني الشاعر السوري…

وبحسب الباحثة الموسيقية فيروز كراوية تعرضت أم كلثوم لهجوم عنيف من الصحافة آنذاك إذ كان محرما على النساء المصريات المسلمات الغناء أو التمثيل أو الظهر على خشبة المسرح بشكل عام.

كانت أم كلثوم ترغب أن تغني أيضا لأفضل الشعراء في العالم العربي. ولأغنية “أغدا ألقاك” حكاية جميلة.

أحب الشاعر السوداني الهادي آدم فتاة مصرية طالبة في الكلية معه من عليا القوم بالقاهرة وجن بها واتفقا على الزواج. وبما أن والدها كان من أثرياء القاهرة رفض رفضا باتا علاقة ابنته بهذا الشاعر لأنه ينتمي إلى طبقة أقل من ابنته. وعندما تأكد من رفض أبيها رغم أنه حاول إرساله الكثير من الشخصيات يتوسطون عنده ليوافق على زوجهما قرر العودة إلى السودان وهو في شدة الحزن والكآبة واعتزل الناس ومكث وحيدا في ظل شجرة وأخذ يكتب في قصيدته أغدا ألقاك. ولما اشتد إلحاح الفتاة على والدها بأن يقوم بلقاء الشاعر ويتعرف عليه وبعد عناء طويل وافق أبوها هذا اللقاء. فسافر إلى القاهرة ونزل في فندق وأخذ موعد مع السيدة أم كلثوم وفي الليلة قبل الموعد لم ينم لأنه كان خائفا وقلقا من إخفاقه أمام كبار الشعراء والنقاد فقرر أن يعيد نظم القصيدة الأولى التي كانت كلماتها بين الرجاء والخوف من القادم. وعندما علمت كوكب الشرق قصة كتابة أغدا ألقاك أصرت عن مقابلته وتم تلحينها من طرف الموسيقار محمد عبد الوهاب بعد نكسة 27 صفر 1387 /6 حزيران/جوان 1967 وغنتها السيدة أم كلثوم وأبدعت في أدائها. وبعد النكسة قررت أم كلثوم بإقامة حفلات يعود ريعها للمجهود الحربي تعبيرا عن تضامنها للم شمل العالم العربي وكانت أبرزها حفلة باريس بفرنسا التي تدافعت إليها الجالية العربية من كل أنحاء أوروبا. في إطار للانفتاح الفرنسي على الثقافات العالمية حاول مدير مسرح أولومبيا باريس برونو كوكاتريكس التعاقد معها فاشترطت أم كلثوم أن تتقاضى 7000 جنيه إسترليني ضعف ما تقاضت أشهر مغنيات فرنسا أديت بياف وأن يتكفل كوكاتريكس بنفقة جميع أفراد فرقتها. وبينما كان سعر التذاكر لا يزيد عن 30 أو 50 فرنكا في المسرح الذي استضاف الحفل في المسرح الفرنسي بلغ سعر التذاكر في حفلة أم كلثوم 300 فرنكا وحين نفذت التذاكر أصدر المسرح تذاكرا لا يستطيع أصحابها الجلوس وكان الحضور وقوفا وبلغ سعرها 500 فرنك…

لقد حفلت المقاعد الأمامية بوجود شخصيات مهمة أبرزها ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال و13 سفيرا عربيا من بينهم ممثل جامعة الدول العربية في باريس وسعادة سفير الجمهورية التونسية في ذلك الحين السيد محمد المصمودي. وحضرت الفنانة فاتن حمامة التي كانت بباريس بسبب ارتباطها بالنجم عمر الشريف والتي قالت لأم كلثوم بمجرد رؤياها ” كنت مشتاقة بشكل جنوني زيارة القاهرة، فلما رأيتك أحسست أن أغنياتك نقلت القاهرة إلى باريس”. أما الرئيس الراحل شارل دي غول فقد أرسل للراحلة أم كلثوم قال فيها: “لقد لمست بصوتك سيدتي أحاسيس قلبي وقلوب الفرنسيين جميعا …إنك بحق ضمير الأمة … مع خالص حبي. شارل دي غول.

وضمن جمع التبرعات التي قدمتها أم كلثوم لإعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة 1967 زارت أم كلثوم المملكة المغربية في 30 ذو القعدة 1387/ 29 شباط /فبراير سنة 1968 وعند قدومها لمدينة فاس، أهدى سكان المدينة لأم كلثوم شمعة من الولي الصالح مولاي إدريس دفين مدينة فاس من الشمع الأخضر مرصعة بخيط من الذهب قدمها نيابة عنهم ابن مدينة فاس الشاعر الزجال المغربي أحمد الطيب العلج وحين استلمت أم كلثوم الشمعة طبعت قبلة عليها أمام الجمهور. وقد قام الملك الراحل الحسن الثاني بتقليد أم كلثوم بوسام الكفاءة الفكرية كأرفع وسام مغربي يمنح مجال الأدب والفنون.

وفي يوم 3 ربيع الأول 1388 /30 أيار/مايو سنة 1968 قدمت أم كلثوم إلى تونس وما إن دخلت الطائرة المجال الجوي التونسي تلقت أم كلثوم برقية من هيئة الاستقبال تقول ” دخلتم منذ لحظات الفضاء الجوي التونسي فأهلا وسهلا، يسعدنا أن نقدم لكم باسم الجماهير التونسية التي تنتظر لحظة الاستماع إلى صوتكم الخالد أحر عبارات الترحيب في بلدكم تونس”. وفي المطار استقبلتها السيدة وسيلة بورقيبة وسط تفاعل جماهيري عظيم وكان يترقب وصولها أكثر من 250 مراسلا صحفيا من مختلف دول العالم حيث كان هذا الاستقبال أكبر مظاهرة صحفية يشهدها مطار تونس. وأثناء الحفلة كان يتقدم الحضور الغفير آنذاك الرئيس الحبيب بورقيبة وزوجته السيدة وسيلة بالإضافة إلى الوزراء والمسئولين في قصر الرياضة الذي أحيط بمائة ألف وردة. وقد استقبلها الرئيس الحبيب بورقيبة الراحل في قصر قرطاج وقام بتكريمها بوسام الجمهورية من الدرجة الأولى. ومن أبرز التكريم للسيدة أم كلثوم ولمصر دعتها السيدة وسلة بورقيبة لحضور صلاة خاصة في أكبر مساجد العاصمة التونسية للترحم على شهداء الجيش المصري في حربه مع الكيان الصهيوني وتضرعا للنصر على الاحتلال والحرية. وتعبيرا عن سعادتها وتقديرها للشعب والرئيس التونسي قالت:” أنا في قطعة من وطني… وطن العرب… كل العرب … تونس الخضراء”.

وقال الحبيب بورقيبة عنها “عرفتها وأكبرت فيها مع المقدرة الفنية سعة الشخصية وقوة الخاطر وجملة من الخصال جعلت منها سيدة بارزة في مقدمة سيدات العالم المرموقة”. وقام بتكريمها بوسام الجمهورية من الدرجة الأولى.

فعبر الغناء نجحت السيدة أم كلثوم بتوحيد العرب من المحيط إلى الخليج رغم الاختلافات السياسية وهذا ما نأمل تحقيقه اليوم للانتصار على الظلم والاستبداد.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية