عواصم – عرب 21 : أ. حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .
يدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السنوات الفاصلة عن انتخابات 2028 وهو محاصر بمعادلات متناقضة، يطمح إلى ولاية رئاسية ثالثة رغم أن الدستور لا يجيز له إلا ولايتين. ولتحقيق هذا الهدف، يحتاج الرجل إلى تعديل دستوري صعب المنال، وتحالفات متنافرة تكاد تكون مستحيلة، فضلا عن مواجهة خصوم سياسيين يزدادون قوة، وملف كردي يفرض نفسه باعتباره مفتاح الأزمة.
منذ أشهر، أثبت أردوغان أنه يفضّل أسلوب الملاحقة والقمع على الحوار والتوافق.
ان اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أحد أبرز خصومه، مثّل نقطة تحوّل كشفت ضيق صدر السلطة بالمعارضة ودفعت الشارع إلى احتجاجات واسعة.
هذه الخطوة لم تُظهر فقط تمسّك أردوغان بسياسة الإقصاء، بل عمّقت الاستقطاب بين معسكر السلطة والمعارضة، وطرحت تساؤلات جدية حول قدرته على بناء أي توافق سياسي يمهّد لتعديل دستوري.
العقبة الدستورية بحد ذاتها معقّدة. فحتى مع تحالفه مع الحركة القومية، لا يملك أردوغان سوى 317 مقعدا من أصل 600 في البرلمان، بينما يحتاج إلى 360 على الأقل لتمرير التعديل عبر الاستفتاء ، أو 400 لإقراره مباشرة .
في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وتآكل شعبية السلطة، فإن أي استفتاء دستوري قد يتحول إلى مقامرة خاسرة تعجّل بتصدع حكمه بدل أن تمدّ في عمره.
في الجهة المقابلة، تزداد المعارضة تنوعا وصلابة. إمام أوغلو، حتى وهو خلف القضبان، مايزال رقما صعبا، فيما يعزز منصور يافاش نفوذه من أنقرة، ويقود أوزغور أوزيل حزب الشعب الجمهوري إلى نجاحات انتخابية متتالية.
هذا التماسك النسبي للمعارضة يعني أن أردوغان يواجه خصوما أكثر استعدادا للمعركة المقبلة مقارنة بانتخابات 2023.
لكن التحدي الأكبر يبقى في القضية الكردية. إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه وإلقاء السلاح شكّل تحوّلا تاريخيا قد يفتح الباب أمام تسوية سياسية، لكن استثمار هذا التطور يتطلب شجاعة سياسية لا تزال غائبة. أي تحالف محتمل مع حزب المساواة والديمقراطية للشعوب (DEM) يستلزم تنازلات ثقيلة مثل إطلاق سراح صلاح الدين دميرطاش ورفع العزلة عن عبد الله أوجلان، وهو ما قد يضع أردوغان في مواجهة مباشرة مع حليفه القومي دولت بهتشلي ومع قاعدة يمينية لا تزال تنظر إلى الأكراد بعيون الشك.
بالتحديد هنا يكمن مأزق أردوغان : فهو يحتاج إلى أصوات الكرد في البرلمان وربما في الشارع، لكنه يخشى كلفة التنازلات على تحالفه القومي وعلى صورته كزعيم قوي .
هذا التناقض قد يجعله يتأرجح بين رسائل تصالحية في العلن وإجراءات قمعية في الميدان، ما يضعف مصداقية أي مبادرة للحل.
في المحصلة، معركة 2028 ليست فقط صراعا على الترشح أو البقاء في السلطة، بل هي اختبار حقيقي لقدرة النظام التركي على إعادة إنتاج نفسه. فإذا نجح أردوغان في بناء معادلة سياسية تجمع الأكراد والقوميين والإسلاميين رغم تناقضاتهم، فسيؤسس لمرحلة جديدة قد تتيح له تمديد حكمه. أما إذا واصل سياسة القبضة الحديدية واستمر في تجاهل التحولات الجارية في الشارع الكردي والمعارضة المدنية، فقد يجد نفسه أمام انتخابات قد تكون الأكثر خطورة في مسيرته، وربما الأخيرة.
