تونس 17°C

11 نوفمبر 2025

تونس 38°C

11 نوفمبر 2025

المغرب والجزائر : تحولات القوة ونهاية الحرب الباردة في المغرب الكبير.

بقلم : أ. حذامي محجوب ( رئيس التحرير ) .

حين تصالحت فرنسا وألمانيا بعد حربين عالميتين مدمرتين ، لم يكن الدافع عاطفيا ولا اعتذارا متبادلا ، بل إدراكا عميقا بأن النهضة لا تُبنى على رماد الكراهية، وأن المستقبل لا يولد من رحم الأحقاد .
هناك، في قلب أوروبا، تحوّل العداء إلى شراكة ، والماضي إلى دروسٍ تؤسس لأكبر تكتل اقتصادي في العالم . تلك التجربة تختصر ما لم تفهمه دول المغرب الكبير بعد : أن الجغرافيا أقوى من الأيديولوجيا ، وأنّ المصالح المشتركة أطول عمرا من الشعارات .
تأخّر سقوط ” جدار برلين المغاربي ” أكثر من ثلاثة عقود . فبينما طوى العالم صفحة الحرب الباردة سنة 1991، ظلّ المغرب والجزائر عالقين في سردية صراعية تآكلت مبرراتها .
غير أنّ القرار الصادر عن مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025، بدا كأنه يعلن نهاية هذا الزمن الرمادي ، إذ أقرّ ، ضمنيا أو علنا ، بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي ، في لحظةٍ كونية تعاد فيها صياغة خرائط النفوذ والشرعية.
لعلّ أبرز ما حمله هذا القرار أنّ روسيا والصين امتنعتا عن استخدام الفيتو . والامتناع هنا ، و في هذه الحالة تحديدا ، ليس حيادا ، بل إقرار صامت بلغة الجغرافيا السياسية بأن زمن الاصطفافات الإيديولوجية قد انتهى ، وأنّ المغرب لم يعد محسوبا على ” المعسكر الآخر ” ، بل بات فاعلا مستقلا داخل نظامٍ دولي متعدّد الأقطاب .
إنها إشارة رمزية إلى أن الصراع لم يعد على الأرض فحسب ، بل على من يمتلك القدرة على قراءة التحولات وصناعة المعنى في عالم يتبدل بسرعة الضوء .
منذ المسيرة الخضراء سنة 1975، نجح المغرب في ربط مشروعية الأرض بمشروعية التنمية .
لم يكتف بشعارات التاريخ ، بل بنى مؤسساته ، واشتغل على منطق الدولة الحديثة التي تُقاس قوتها بما تحققه على الأرض ، لا بما تردده على المنابر .
لذلك ، جاء القرار الأممي الأخير تتويجا لمسار دبلوماسيّ طويل وحصيف، لا صدفة طارئة ولا مكسبا ظرفيا .
في المقابل، ظلّ النظام الجزائري أسير سردية قديمة وُلدت في زمن الثنائية القطبية ، وجعل من معاداة المغرب عقيدة أمنية تتجدد كلّما اهتزّ الداخل .
أنفق ثرواته على معارك رمزية خاسرة بدل أن يُوجّهها إلى التنمية ، فيما الأجيال الجديدة في الجزائر صارت تطالب بإغلاق ملفٍ لم يعد يقنعها ، وتدعو إلى تحويل الثروة إلى رفاه لا إلى خصام.
إنّ ما جرى في مجلس الأمن لم يكن ليحدث لولا تغيّر موازين القوة الدولية. فالعالم اليوم لا يُدار بالمدافع ، بل بالقوة الناعمة والقدرة على إنتاج الاستقرار. والمغرب ، بهذا المعنى ، أعاد تموضعه داخل منظومة الأمن الإقليمي كفاعل مؤثرٍ في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية ، وشريك موثوقٍ في بناء جسورٍ اقتصادية بين أوروبا وإفريقيا .
جاء خطاب الملك محمد السادس عقب القرار الأممي ليؤكد هذا التحول بلغة متزنة وهادئة ، دعا فيها إلى تجاوز منطق المنتصر والمهزوم ، وإلى بناء مستقبلٍ مغاربي مشترك على قاعدة ” لا غالب ولا مغلوب ” .
تلك هي لغة الدولة الواثقة التي لا تحتاج إلى الانتصار على الآخر كي تُثبت قوتها ، بل إلى تحويل الخصومة إلى تعاون والماضي إلى تجربة.
إنّ خطة الحكم الذاتي لم تعد مجرّد اقتراح سياسي ، بل تحوّلت إلى رؤية استراتيجية تتناغم مع روح المرحلة ، حيث الواقعية تُقدَّم بديلا عن الجمود ، والتوافق بديلاً عن الانقسام . وهي في الآن ذاته اختبارٌ لجرأة جبهة البوليساريو: هل تستطيع قراءة اللحظة بشجاعة، أم تظل أسيرة منطق تجاوزه الزمن ؟.
طوى مجلس الأمن، بقرارٍ هادئٍ ودقيق ، آخر صفحة من الحرب الباردة في المغرب الكبير.
رغم ذلك يبقى السؤال الأهم :
من يمتلك الشجاعة ليغادر الماضي و يطوي صفحته ، ويكتب فصلا آخر ، جديدا من مستقبل تصنعه الإرادة لا الأوهام و الشعارات ؟.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية