تونس 17°C

11 نوفمبر 2025

تونس 38°C

11 نوفمبر 2025

الرياضة ليست لعبا : عندما تُصبح الأندية أدوات سياسية واقتصادية !.

بقلم – ابوبكر الصغير

لم تعد الرياضة، في عالم اليوم، مجرد منافسة بدنية أو وسيلة للترفيه الشعبي، بل غدت جزءا لا يتجزأ من أدوات السياسة الحديثة، ورافعة اقتصادية ذات مردودية عالية.
في السنوات الأخيرة، تحولت الأندية الرياضية الكبرى إلى منصات عالمية للاستثمار، وصارت ملاعب كرة القدم مراكز لإنتاج الرموز والصور التي تسهم في بناء النفوذ الناعم للدول والمجموعات الاقتصادية.
في ظل العولمة، اتسعت دائرة تأثير الرياضة لتشمل مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة. فامتلاك ناد رياضي لم يعد هدفه مقتصرا على تحقيق البطولات، بل بات وسيلة ذكية لإعادة تشكيل صورة الدول، والترويج لسياساتها، وبناء حضور رمزي في الفضاء العالمي. وقد دخلت دول عديدة هذا المجال، فاستثمرت في أندية، رعت بطولات كبرى، وأسست شبكات إعلامية رياضية تخاطب الجماهير بملايينها.
من أبرز الأمثلة على هذا التحول ما حدث مع نادي باريس سان جيرمان (PSG). قبل عام 2011، كان النادي الباريسي ناديا متوسطا من حيث النتائج والقيمة المالية، لا تتجاوز قيمته السوقية آنذاك 70 مليون يورو. لكن كل شيء تغير بعد استحواذ ” جهاز قطر للاستثمار ” ، الصندوق السيادي لدولة قطر، على النادي.
في ظرف سنوات قليلة، تحول باريس سان جيرمان إلى أحد أكبر أندية العالم من حيث الاستثمارات، والأداء الرياضي، والقيمة التجارية. ففي عام 2024، قُدّرت القيمة السوقية للنادي بـ 5 مليارات يورو، وهو تطور مذهل يعكس نجاح الرؤية الاستثمارية القطرية في هذا المجال.
لكن المكاسب لم تكن رياضية أو مالية فقط. بل الأهم أن قطر استطاعت عبر النادي الباريسي PSG أن تحقق ما يُعرف في العلاقات الدولية بـ ” القوة الناعمة ” . إذ مكّنها النادي من:
• ربط اسمها بمدينة باريس وبالثقافة الرياضية العالمية، وهو ربط رمزي يعزز من صورة الدولة في الذهنية العالمية.
• تقديم صورة حديثة وعصرية عن المستثمر العربي والمسلم، من خلال نموذج مالك ناد ناجح، محترف، يحترم القيم العالمية.
• كسب تعاطف وتقدير جماهير عالمية، تتجاوز السياسة إلى العاطفة والهوية المشتركة في حب فريقهم.
• التأثير في الإعلام الغربي الذي صار يتناول قطر من زوايا رياضية إيجابية، بعيدا عن التنميط السياسي التقليدي.
• استثمار النادي في دعم ملفات كبرى مثل ملف تنظيم كأس العالم 2022، حيث لعب PSG دورا رمزيا في تقوية الملف القطري.
هذا النموذج يُبرز كيف أصبحت الرياضة أداة سيادية في يد الدول، خاصة الصغيرة منها، لتوسيع نفوذها بطرق غير تقليدية.
ففي عالم يشهد تحولات سريعة في موازين القوة، لم يعد النفوذ يقتصر على الجيوش والأساطيل، بل صار يتجلى في امتلاك أدوات التأثير الرمزي، وفي تصدير صورة إيجابية ومحبوبة عن الذات.
الرياضة، في هذا السياق، تؤدي دور ” الدبلوماسية العامة ” ، إذ تُخاطب الشعوب قبل الحكومات، وتبني جسورا وجدانية تتجاوز الاعتبارات السياسية الباردة. وكلما كان الاستثمار الرياضي مدروسا، طويل المدى، ومتصلا برؤية استراتيجية واضحة، كلما حقّق نتائج مضاعفة، كما هو الحال مع قطر وباريس سان جيرمان .
إن التجربة القطرية في الاستثمار في نادي باريس سان جيرمان تؤكد أن الرياضة لم تعد ترفا أو هواية، بل سياسة دولة، واستثمار استراتيجي متعدد الأبعاد. كما تكشف أن العالم العربي، إذا ما أحسن التخطيط واستثمار الإمكانيات المتاحة، قادر على منافسة القوى الكبرى، ليس فقط في الاقتصاد والسياسة، بل أيضا في فضاء الصورة، والتأثير، والقيم المشتركة.

اقرأ أيضاً

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قبل أن تذهب

اشترك في نشرتنا الإخبارية وكن على اطلاع دائم بالأحداث العالمية